نيويورك، ٢٤ تشرين الأول، ٢٠٢٣ - شارك نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، اليوم، في أعمال الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن حول الشرق الأوسط وخاصة القضية الفلسطينية.
وألقى الصفدي كلمة، خلال الجلسة، علماً بأن الأردن يرأس المجموعة العربية في الأمم المتحدة الشهر الجاري، وتالياً نص الكلمة:
"سيدي الرئيس، الزملاء الأعزاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تمتحن اليوم إنسانيتنا المشتركة. تمتحن قيمنا الأخلاقية. تمتحن المبادئ التي قامت عليها، ومن أجلها، هذه الأمم المتحدة.
دوامة عنف جديدة وحرب تفجرتا في بؤس تكرس عبر عقود من الاحتلال والظلم والقهر. الأبرياء قتلوا، ويقتلون. أطفال يمزقون إرباً. حيوات نساء وشيوخ بريئة تزهق. بيوت تحيلها القنابل خراباً. مستشفيات لا دواء فيها. حرب مستعرة تجعل غزة أرضاً يباباً.
لمثل هذه اللحظة وجد مجلس الأمن. ليطبق القانون الدولي. ليحفظ السلم. ليوقف العنف والحرب. ليمنع الظلم. ليقول إن لا فرق بين إنسان وإنسان، وإن لا دولة فوق القانون، مهما بلغت من قوة، ومهما استطاعت من بطش.
لكن يبدو أن إسرائيل فوق القانون الدولي. تخرق القانون الدولي بلا رادع، تضرب بقرارات مجلس الأمن عرض الحائط، تبني المستوطنات في خرق واضح للقانون الدولي من دون رد، تصادر أراضي فلسطين من دون مساءلة، تطرد المقدسيين من بيوتهم من دون حساب، تقتل حق شعوب المنطقة في السلام من دون اكتراث، ولم يطلب مجلس الأمن حتى وقفاً لإطلاق النار في حربها الحالية على غزة، التي تقتل أربعة عشر مدنياً فلسطينياً كل ساعة، تسلب حياة امرأة فلسطينية كل عشرين دقيقة، تفطر قلب أم أو أب على طفل غيبته قذيفة دمرت بيته أو مدرسته كل خمس عشرة دقيقة.
ماذا تقول أم فلسطينية لطفلها إذ يطلب شربة ماء فلا تقدر أن تلبيه؟ هل سينسى يوماً، هذا وإن عاش، إن أنت في أذنه وسط هدير الموت: أن حرمانك من الغذاء والماء والدواء جريمة حرب، لكنك فلسطيني، حقك مهضوم، القانون الدولي لم يوجد لمثلك، ليس لحياتك قيمة حياة غيرك.
الزملاء الأعزاء،
كفى موتاً. كفى عنفاً. كفى حروباً. كفى بؤساً. كفى قهراً. وكفى ازدواجية في معايير تطبيق القانون الدولي.
لأصدقائنا الذي يعتقدون أنهم يخدمون إسرائيل في دعم حربها على غزة، والذين يظنون أن مسؤوليتهم الإنسانية والقانونية نحو الفلسطينيين تؤدى عبر دعوات، تأخرت، لإيصال المساعدات للغزيين، نقول بصراحة: لا الموقف الداعم لإسرائيل هذا ينفعها، ولا الموقف إزاء كارثة الفلسطينيين يقنعهم، أو يقنعنا.
من يريد أن يدعم إسرائيل يدعم وقف الحرب والسلام العادل والشامل، من يريد أن يتحمل مسؤوليته نحو الفلسطينيين يدعم وقف قتلهم والسلام العادل والشامل، لتعيش الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس المحتلة عل خطوط الرابع من حزيران ١٩٦٧ بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل، ولتفرح كل أم فلسطينية وكل أم إسرائيلية بالابتسامات على وجوه أبنائها، ليحضن الأطفال الفلسطينيون والإسرائيليون، آباءهم فرحاً لا خوفاً.
الزملاء الأعزاء،
إدانة قتل المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين، والمطالبة بإطلاق مسلوبي الحرية منهم، موقف إنساني قيمي مبدئي.
إدانة العنف والحرب موقف إن لم نتخذه اليوم تناقضنا مع إنسانيتنا، وبتنا أسارى تعري سياسيات التمييز، في مقاربة صراعات أخرى.
العنف إن تجذر اقتناعاً ولد من موت الأمل، أو من أي دافع آخر، لا ينهيه إلا واقع يسوده العدل، ويتيح فرص الحياة بحرية وكرامة.
أي محاولة لتهجير الفلسطينيين داخل أرضهم المحتلة أو إلى خارجها هي جريمة حرب وفق اتفاقية جينيف الرابعة للعام ١٩٤٩، وملحقها للعام ١٩٧٧. وأي محاولة لترحيل الأزمة التي أوجدها الاحتلال، ويفاقمها الاحتلال، ولن تنتهي إلا بانتهاء الاحتلال، إلى دول الجوار، هي تهديد لأمننا الوطني، سنتصدى له بكل طاقاتنا.
الزملاء الأعزاء،
قتل ستة آلاف مدني فلسطيني، وهؤلاء أيضاً لهم أسماء ولهم وجوه ولهم ذكريات ولهم أحباء يبكونهم، وتدمير حوالي مئتي ألف منزل، وجعل أكثر من مئتي مدرسة في غزة ركاماً، وقصف المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس على رؤوس من احتمى فيها من المدنيين، ليس دفاعا عن النفس.
يجب أن لا نسمح للغضب مهما هاج وللألم مهما أوجع أن يقررا مصير منطقتنا، أن يأخذانا حيث لن نواجه إلا المزيد من الغضب والمزيد من الألم.
ينعم الإسرائيليون بالأمن حين ينعم به الفلسطينيون.
كم حرباً عانت منطقتنا؟ كم مدنياً بريئاً دفع حياته ثمناً لها؟ وأين نحن اليوم؟ في جحيم حرب جديدة، تنذر بجر كل منطقتنا إلى آتونها.
الزملاء الأعزاء،
وحدَه السلام العادل يضمن أمن إسرائيل وأمن فلسطين.
وخداع هو الترويج لإمكانية تحقيق السلام الإقليمي بالقفز فوق الشعب الفلسطيني.
تعمق الصراع، واضمحلت آفاق حله، لأن هناك احتلالاً لا آفاق لانتهائه، لأن في القيادات الإسرائيلية من يدمر فرص حل الدولتين، ووضع مصير الشعب الفلسطيني كله، في يد من ينكر إنسانيته، ويدعو، علناً وجهاراً، إلى مسحه عن وجه هذه الأرض.
الزملاء الأعزاء،
ليتخذ المجلس اليوم قراراً يفرض وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب.
ليتخذ قراراً يؤكد إدانة قتل المدنيين من الجانبين واستهدافهم، ويمنع تجويع الفلسطينيين وتعطيشهم وتعذيبهم بعقوبات جماعية.
ليأخذ موقفاً واضحاً، يطمئن حوالي ملياري عربي ومسلم، أن القانون الدولي يطبق من دون تمييز، ومن دون انتقائية.
لنعمل معا الزملاء الأعزاء على أن تكون هذه آخر الحروب على غزة، وآخر العنف في فلسطين وإسرائيل، وآخر مساحات شيطنة الفلسطينيين والإسرائيليين، وآخر دموع كل الأمهات على موت عبثي في غياهب الصراع.
لنعمل على العودة الفورية إلى عملية سلام حقيقية، إلى مفاوضات جادة، تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، إلى قرارات هذا المجلس التي ما تزال حبراً على ورق، لينتهي الاحتلال، وليتحقق السلام العادل، الشامل والدائم على أساس حل الدولتين، وفق جدول زمني محدد، وبضمانات دولية.
السلام للفلسطينيين، والسلام للإسرائيليين، والسلام لكل المنطقة. بغير ذلك، سنجد أنفسنا، كما هي حالنا منذ سنين، عاماً بعد عام، نتحدث بلا فعل ينهي الصراع، ونتجادل بلا عمل يحقق السلام، بينما يقتل الأبرياء، ويموت الأمل، ويتوتد اليأس، وتتعمق الكراهية. وتستمر صدقية هذه الأمم المتحدة تتآكل، وقيمة القانون الدولي تتضاءل.
إما أن ينتصر هذا المجلس للعدل والقانون والإنسانية. وإما أن يقول يحق لإسرائيل ما لا يحق لأي دولة أخرى، ولا يحق للشعب الفلسطيني ما يحق لأي شعب آخر، فتستعر هذه الحرب أكثر، ويظل الصراع مستقبل منطقتنا.
الخيار لكم. وبأيديكم. يحصد العالم كله خيره إن انتصرتم للحق والسلام. أو يتحمل المجلس وزر السماح باستمرار الحرب والقتل والدمار، وحرمان شعب كامل، من حقه في العيش، مثل كل شعوب العالم، بأمن، وكرامة، وحرية، واستقلال، على ترابه الوطني، على أرض فلسطين، على أرض آبائه وأجداده، على أرض أبنائه وأحفاده.