مافَتِئ الاحتلال الصهيوني مستمرًا في مجازره الوحشية، يرتكبها في غزة ليل نهار إلا دليلا على شهوة القتل المستهترة بحياة أهل غزة من الأطفال، والنساء، والشيوخ؛ للتستر على الفوضى الداخلية في المنظومة السياسية، والعسكرية الإسرائيلية، باحثة عن مخرج من هذا الفشل ولو بتحقيق نصر مزيف؛ لحفظ صورة الجيش الأسطوري التي أهتزت على يد المقاومة الفلسطينة في غزة، التي ما زالت تسطر أروع صور الشجاعة في أرض المعركة غير آبهة بآلة بطش الاحتلال و غاراته المكثفة، راسمة حزاما ناريا تمهيدا لدخول بري إلى غزة؛ لإنهاء المقاومة، متفاجئة بمقاومة شرسة مكبدة الاحتلال خسائرة فادحة في الآليات، والأرواح متسلحين بالله أكبر حاملين أرواحهم على أكفهم دفاعا عن أرضهم في وجه المغتصب، مرددين قول الشاعر "غازي الجمل" نحن الذين إذا ولدنا بكرة كنّا... على ظهر الخيول أصيلا.. نحن الشهادة والشهيد وشاهد... ولأسدنا قد فصلت تفصيلا.
تحدث سياسيون وحزبيون و خبراء عسكريون عن سيناريوهات العدوان الذي تشنه قوات الاحتلال الإسرائيلي على أهل غزة، مؤكدين إنه جريمة ضد الإنسانية، وتدخل في سياق الإبادة الجماعية لشعب بأكمله.
الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي الأردني، الدكتور محمد جرادات قال إن السابع من تشرين الأول أكتوبر 2023 محطة مفصلية جديدة في مسيرة ونضالات الشعب الفلسطيني عمومًا، والمقاومة خصوصًا، وهي أحدى عناوين وتجليات الثقة بحتمية النصر والتحرير، ففي ذلك اليوم انتبه العالم كله إلى عملية طوفان الأقصى التي أطلقت في الوجبة الأولى أكثر من 5 آلاف صاروخ على مستوطنات غلاف غزة خلال 20 دقيقة، ونجحت في قتل جنود صهاينة وأسر آخرين، وسادت أجواء الذعر والارتباك في صفوف المستوطنين والجيش، واختفت عشرات النقاط العسكرية، وسادت تساؤلات كثيرة لدى المستوطنين الغزاة، عنوانها: أين هو الجيش الصهيوني؟، يقابله مشهد وطني فلسطيني عظيم، مشهد الحاضنة الشعبية، والشعب التواق إلى مثل هذه البطولات.
وأضاف إن عملية طوفان الأقصى تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الكيان الصهيوني العنصري وحكومته اليمينية الفاشية، الأكثر تطرفًا في تاريخه الحافل بالتطرف وتنامي الميول الفاشية، إلى زوال؛ مهما بالغ في قمعه للشعب الفلسطيني ومهما أفرط في استخدام ترسانته المدججة بأحدث أساليب التنكيل، ووسائل الإبادة الجماعية، وتدمير أحياء بكاملها، وأحياناً على رؤوس ساكنيها واستباحة المقدسات، فهذا الكيان الغاصب أعجز من أن يفرض حلوله التصفوية على الشعب الفلسطيني، وأوهن من أن ينتزع من الشعب الفلسطيني استسلامًا يتخلى بموجبه عن حقوقه الوطنية المشروعة، وفي مقدمتها حقه في التحرير، والعودة وتقرير المصير على كامل ترابه الوطني.
وأكد جردات إن ردود الكيان الصهيوني على تلك العملية البطولية المزيد من القتل، والتدمير، والإبادة الجماعية، من بينها الجريمة الهمجية، الَّتي ارتكبها العدو الصهيوني في المستشفى الأهلي المعمداني في غزَّة، بما يؤكد مشاعر الحقد والكراهية، مدعومة من حكومات الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، وإن الشعب مازال يقدم الشهداء في غزة وفي كل يوم يرتكب الصهاينة مجازر جديدة، وها هي مجزرة أخرى تقدم ما يزيد على 400 شهيد، في مخيم جباليا، حيث تعرض لقصف بست قنابل نجم عنها تدمير حي سكني بالكامل، والعدد الأكبر من الشهداء كان من الأطفال والنساء.
ومن جهته قال الخبير في الشؤون الدفاعية والاستراتجية اللواء الطيار مأمون أبو نوار لم يتغير الوضع الميداني في غزة رغم مضي 24 يومًا على الحرب، باستثناء وجود القوات الإسرائيلية في محيط غلاف غزة، والقيام بعمليات واقتحامات على جهات متعددة برا وبحرا وجوا مركزة على القاطع الشمالي، والضربات الجوية هي إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية دمرت البنية التحتيةفي غزة، ولم تحقق أهدافها في قتل قوة حماس، وكسر إرادتها.
وأضاف استمرار الهجوم من جهات متعددة، ومحاولة فصل شمال غزة عن جنوبها، إضافة للحرب الإعلاميَّة والنفسية، والمعلوماتية الدفاعية، والهجومية، وتسخيرها للاحتلال من قبل أمريكيا وأوروبا إلا إنها لم تحقق النتائج المطلوبة، مشيرًا إن حرب المدن والشوارع حربًا صعبة على أقوى الجيوش، وستكون حربًا استنزافية دموية تستمر لمدة طويلة.
وأكد أبو نوار إن الأنفاق قوة دفاعية هجومية متحركة ستضرب بشدة قوات الاحتلال، معالجة للأهداف الطارئة خلال المعارك، ومن الصعب على العدو خوض مثل هذه الحروب؛ لعدم وجود عقيدة قتالية لديه تلاءم الوضع في غزة، خاصة الرشقات الصاروخية التي تهدد العمق الإسرائيلي، وإن تحرير الرهائن والأسرى لن ينجح بوجود العمليات البرية المحدودة التي تقوم بها إسرائيل. وإن المفاوضات ستسفر عن هدنة إنسانية؛ نتيجة تغيير في الرأي العالمي للمجازر التي يرتكبها الاحتلال، مشددًا على موقف الأردن و مصر الرافض للهجرة القصرية، وتحركات جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين العالمية، ومكانة الأردن عرقلت مخططات الاحتلال، لافتًا إن استمرار الحرب، وتدمير البنية التحتية في غزة قد يتمدد لحرب إقليمية.
وبدوره قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الزرقاء الدكتور الحارث محمد الحلالمة إن إسرائيل أعلنت أنها أمام هدفين رئيسين وهما القضاء على حركة حماس، وشل قدراتها، وتحرير الأسرى الإسرائيليين الموجودين لدى الحركة؛ لطمانة الشارع الداخلي بأنها ما تزال الدولة القوية، والجيش القوي الذي لايقهر، واستعادة هيبته بعد عملية طوفان الأقصى، فنتنياهو يذهب باتجاه استمرار أمد الحرب، و تحقيق أي انتصار حتى لو كان زائفًا؛ للهروب من إدانته بالتقصير ، وعلى المستوى الإقليمي محاولة إعادة ترميم قوتها كدولة مهيمنه في الشرق الأوسط، وتحذير أي قوة إقليمية من أن الدخول في حرب معها ستكون حربًا خاسرة، بعد إعطائها الضوء الأخضر من أمريكا والقوى الغربية الكبرى، ومساندتها عسكريا ولوجستيا، وعلى المستوى الدولي إرسال رسائل للعالم إن حليفها في المنطقة ما يزال قادرًا على حماية نفسه، وإنها الحليف الذي يمكن الوثوق فيه.
وأضاف إن الانتصار والقضاء على حماس لن يتحقق بسهولة؛ فحركة حماس أصبحت فكرة، وعقيدة لا يمكن القضاء عليها إلا إذا قررت إسرائيل القضاء على جميع أبناء غزة، مع إمكانية الإعلان عن انتصار وهمي مزيف بضرب أهداف عسكرية محدودة لحماس؛ لأن حرب المدن ستعمق جراح حكومة الاحتلال، ولا يمكن تحمل فاتورة هذه التدخل البري.
وأكد الحلالمة إن السيناريو الأهم مابعد الحرب فهل ستقوم إسرائيل بحكم جزء كبير من القطاع؟ خصوصا منطقة الشمال بعد فصلها عن جنوبها حكما مشابها لمنطقة ( ج ) في الضفة الغربية، وهو أمر مرفوض لدى كافة الأطراف، وفيه خروج على إتفاقية أوسلو ، أو الذهاب باتجاه آخر وهو تسليم القطاع لحكم السلطة الوطنية الفلسطينية على غرار حكمها للضفة، لكن ربما يرفضه أبناء القطاع ونفس السلطة؛ لأن فيها قدوم على ظهر الدبابة الإسرائيلية ، أو الدخول في تفاهمات مع حركة حماس؛ لحكم القطاع مع ضمان لأمن إسرائيل، وإجراء مفاوضات شاملة لصفقة تبادل أسرى كبيرة جدا حتى لو لم تقبل بطلب حماس بتبييض السجون، وهو أمر ربما لن تقبل به إسرائيل لكن على الأقل القبول باستثناء من لديهم سجل يثبت الاعتداء على حياة الإسرائيليين، لافتًا في حال قبول هذا السناريو هل سيقبل الجميع بإعادة دعم حماس في حكمها للقطاع، ومساعدتها في إعادة بناء ما دمرته ماكينة الحرب الإسرائيلية، والذي يحتاج لسنوات طويلة ومبالغ طائلة، أو الاتفاق مع بعض أبناء المنطقة للحكم .
وأشار الحلالمة إن انتهاء الحرب و إعادة عملية المفاوضات لن يؤدي لإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967، لوجود حكومة يمينية متطرفة ترى إسرائيل من النهر إلى البحر ليس لها حديث، ولا منطق إلا منطق القوة وفرضه مع موجود شعب إسرائيلي تحول بكامله نحو التطرف، يرفض أي وجود غير يهودي يدين بالولاء للدولة، لذلك حتى يحدث هذه السيناريو لا بد من انتهاء حكومة اليمين المتطرف، والمجيء بحكومة أقلها من اليسار الديموقراطي مقتنعين أن إعطاء الشعب الفلسسطيني كافة حقوقة، وإقامة دولته القابلة للحياة هي الوسيلة الوحيدة لضمان أمن الشعب الإسرائيلي؛ للخروج من هذا النفق المظلم.
و قال الأمين العام لحزب القدوة الأردني الدكتور إياد النجار إن ما يحدث في غزة عدوان آثم من قوات الاحتلال بدعم دولي، و إن المجازر التي تقوم بها قوات الاحتلال هي أعلى درجات الإجرام، والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، من خلال استخدام استراتيجيات عسكرية قاسية، إضافة للحصار الاقتصادي والاجتماعي، يقابله بطولة المقاومين الفلسطينيين الذين أثبتوا للعالم أنهم على حق.
وأضاف إن ما يجري صراع واسع يشمل فلسطين والعالم العربي والإسلامي، والعالم بأكمله. وإن هزيمة قوات الاحتلال كبيرة في عملية طوفان الأقصى، مشيرًا إن الاحتلال يواجه تحديات وخيارين صعبين أما أن تنهي الحرب بأسرع ما يمكن، أو أن تواجه حربا صعبة طويلة تسبب لها خسائر بشرية واقتصادية.
وأكد النجار إن انتصار المقاومة الفلسطينية يكون بحصولها على الحقوق كاملة، وستكون هناك اتفاقات دولية يحصل الفلسطينيون نتيجتها على الدعم الكامل، مؤديًا لتغييرات جوهرية في الواقع الفلسطيني.
وإذا ما انتهت الحرب دون نصر أو هزيمة ستتيح إمكانية إجراء صفقة تبادل الأسرى.
وقال رئيس حزب الإتحاد الوطني الأردني محمد الخشمان إن البحث عن "النشوة الإسرائيلية"، أو الرغبة في استعادة الهيبة في أعين الجمهور الإسرائيلي، هو السبب الرئيسي وراء هذه الإبادة التي يقوم بها الاحتلال في غزة، مشكلًا خطرًا كبيرًا على غزة وأهلها. وإن المدنيين في قطاع غزة يدعمون كتائب القسام، لأسباب مختلفة، سواء كان ذلك نتيجة للحصار الطويل والظروف المعيشية الصعبة، أو نتيجة للإحساس بأن حماس تمثل صوتهم وقضيتهم في مواجهة إسرائيل. على عكس ما يشهده الداخل الإسرائيلي، الذي يمكن أن يكون خيارًا داخليًا ليس بالحسبان على شكل إسقاط حكومة نتنياهو.
وأضاف تواجه إسرائيل حاليًا تحديات معقدة في قطاع غزة، خاصة في ظل التطورات الأخيرة التي أحدثها "طوفان الأقصى". تتجلى هذه التحديات في الثغرات التي أظهرها نظام الاستخبارات، والدفاع العسكري. وإن إسرائيل تقف حاليًا على مفترق طرق، حيث تحتجز كتائب القسام عددًا من الرهائن، وهذا ما أثار الغضب والإحباط في الداخل الإسرائيلي. مؤكدًا إن تعادل القوى العسكرية يدفع بإسرائيل لاتخاذ خطوات عدائية تجاه المدنيين والأطفال؛ لبث الرعب في نفوس السكان؛ ليجبرهم على التهجير، وهذا مرفوض من قبل الأردن ومصر وفلسطين قيادةً وشعبًا.
وأشار الخشمان لم يبقَ أمام إسرائيل سوى الدخول في مفاوضات سريعة مع حماس بشأن تبادل الأسرى؛ لأن الهجوم الجوي المكثف ضد الأهداف في قطاع غزة، لم يقديم إلا تداعيات إنسانية. و تنفيذ عملية برية واسعة النطاق قد تتسبب في خسائر ثقيلة على الاحتلال ، ومع ذلك يبدو الخيار الأول هو السائد نظرًا لطبيعة الحكومة المتطرفة.