مع تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين جراء القصف الإسرائيلي 10 آلاف، يخشى اليوم في ظل التهجير العرقي والقسري والممارسات العدوانية على قطاع غزة من حدوث نكبة جديدة، كنكبة عام 1948 التي شهدت تهجير ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني ونفيهم قسراً مع قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي.
لفهم أكبر للمشهد الفلسطيني اليوم، ومعرفة الإطار التاريخي والقانوني والسياسي للكارثة المحتملة، عقدت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، بالتعاون مع مركز العمل المجتمعي في جامعة القدس، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، مؤتمراً صحفياً شارك فيه مجموعة من المحامين الدوليين والمتخصصين والصحافيين في مجال حقوق الإنسان، الإثنين 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وأداره مع المشاركين المحامي الدولي والمستشار الأول لبرنامج القضية الفلسطينية في منظمة النهضة (أرض)، د. ليكس تاكنبرغ.
وبحسب تاكنبرغ؛ من المهم إيصال وتوفير المساعدات الإنسانية للجميع، وتوفير الحماية الدولية، ووقف الحرب، في ظل الكوارث التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، والانتهاكات العديدة لحقوق الإنسان في الضفة الغربية وغزة، وذلك باعتبارها جرائم حرب واضحة يمكن لها أن تصل إلى حد الإبادة الجماعية.
وفي إطار المؤتمر، أطلقت أستاذة القانون الدولي المشارك في جامعة الإمارات العربية المتحدة جنان بستكي، بالتعاون مع مجموعة عمل متخصصة تابعة للشبكة الدولية للقضية الفلسطينية ورقة مرجعية بعنوان: "التهجير القسري في غزة وحق العودة”، وذلك لرصد التطهير العرقي المستمر في غزة بشكل أساسي، والضفة الغربية.
من ناحيتها، قالت مقرر الأمم المتحدة للأراضي المحتلة، ومستشارة لبرنامج الهجرة واللجوء في النهضة (أرض)، فرانشيسكا ألبانيز، إن "الظروف في غزة مأساوية وأثرها عميق، وهي بمثابة توجه للسقوط نحو الهاوية، ولكن ما زال هناك فرصة للتوقف، والانسحاب من هذا السقوط، لذا يقدم هذا المؤتمر صورة ومرجعية قانونية وتاريخية لما يحصل، فضلاً عن رفع الوعي في الوقائع والمخاطر المحتملة في هذا الصدد، مؤكدة ضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكل مستعجل.
وقدمت ألبانيز شرحاً مفصلاً حول ثلاث مفاهيم أساسية قانونية حول هذه الحرب؛ أولها الحق في الدفاع عن النفس، والذي أثاره الاحتلال الإسرائيلي بعد أحداث السابع من أكتوبر، ولا يمكن اعتباره أنه آت من فراغ، كما بين الأمين العام للأمم المتحدة، لأنه نتاج أكثر من 75 عاماً من الاحتلال الخانق، ودفعت فيه غزة أبهظ الأثمان من أرواح وأحوال معيشية صعبة، وغيرها، حيث وعلى مدار خمسة حروب قبل هذه الحرب التي خسرت فيها غزة أكثر من 4 آلاف شخص من ضمنهم 1020 طفل.
وبينت أن هذا المفهوم معناه الفني في القانون الدولي "الحق في شن حرب وليس الدفاع عن النفس”، فهذا الحق لا يمنحهم الحق بمهاجمة المنطقة الخاضعة لاحتلال الدول وحتى لو شكلت خطراً على المحتل،وفق قرار المحكمة العليا في الأمم المتحدة – محكمة العدل الدولية، إذ كان يفترض لإسرائيل الرد على حماس في إطار القانون الإنساني الدولي وإحقاقه، وعليه فلا يحق لإسرائيل شن أي حرب على غزة، وفقاً لألبانيز.
أما المفهوم الثاني، التطهير العرقي، فأدانت ألبانيز وحذرت من مخاطره منذ الأسبوع الأول بعد الهجوم، لافتة إلى أن كتابها السابق عن النزوح القسري للاجئين الفلسطينيين منذ 1947 أوضحت فيه أن إسرائيل قد تسببت في نزوح 750 ألف بين عامي 47 و49، وفي ظل حرب 67 هجرت أكثر من 350 ألف في 69، أما الحرب الحالية فهناك نية وحتى خطط معلنة لإخراج الفلسطينيين خارج غزة. وبينت أن الإزاحة القسرية للمدنيين جريمة حرب وفقاً للقانون الدولي، وهو ما يعاني منه الفلسطينيون طيلة الوقت كسحب الهويات من قبل الجيش والاعتداء والإغلاق على يد الاستيطان.
بينما حذرت من خلال المفهوم الثالث، الإبادة الجماعية، من مخاطر التطهير العرقي والاحتلال الاستعماري اللذان يحملان عناصر الإبادة الجماعية التي عرفتها الأمم المتحدة على أنها "أفعال مرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية”، في حين أن هذه الأفعال الخمسة من : قتل أفراد من الجماعة، وإلحاق أذى جسدي أو عقلي جسيم بهم، وفرض ظروف معيشية تهدف، بقصد واضح، تدمير واستهداف المدنيين.
وشددت أن هناك نية واضحة ومعلنة من قبل القادة السياسيين والعسكريين، والمجتمع الإسرائيلي بتدمير غزة كاملاً، وهذا الأمر مدعاة للجنون؛ فـ”الإبادة الجماعية ليست مجرد فعل بل عملية تبدأ بإزالة الصبغة الإنسانية عن الآخر، ولا بد للأوروبيين أن يكونوا على معرفة بذلك؛ فجريمة الهولوكوست بحق اليهود لم تكن لتحصل لولا إزالة الصبغة الإنسانية عنهم على مدار قرون عدة”، محذرة في ذات السياق استمرار هذه الحرب.
وحول الوضع القائم في غزة والضفة الغربية، أكد مدير عيادة حقوق الإنسان ومركز العمل المجتمعي بجامعة القدس، د منير نسيبة، أن دول الاحتلال استخدمت الابادة الجماعية لتغيير التوزيع الجغرافي في المنطقة، مبيناً أن إسرائيل زورت التاريخ منذ عام 1948 فهجرت نحو 80% من السكان قسراً ولم تسمح لهم بالعودة إلى أراضيهم، إضافة إلى ترحيلهم خارج وداخل فلسطين، وحالياً تقوم ببرنامج ممنهج لتهجير الفلسطينيين في الضفة وغزة.
وأشار نسيبة إلى أن أوضاع المستشفيات والمدارس والأطعمة لا تسر البال، إضافة إلى أن الطعام ملوث وغير صالح للاستهلاك البشري، مع انتشار الأوبئة في القطاع، مرجحاً منع الفلسطينيين من العودة الى شمال غزة بعد كل هذا الدمار، لذا من المهم التزام إسرائيل بالقانون الدولي الانساني، وعدم استهدافها للمدنيين، خاصة وأنه منذ السابع من أكتوبر قامت مجموعة من المستوطنين ومعهم ضباط بطرد الفلسطينيين بالتدريج ودفعهم بالقوة، وتدمير ممتلكاتهم ومنازلهم وبذلك لم يعد لهم مكان يذهبون إليه.
وعن الحق بالعودة، أكدت أستاذة القانون الدولي جنان بستكي، على أهمية تمكين اللاجئين من العودة إلى ديارهم داخل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، مشيرة إلى أن 80% من أهالي غزة هم لاجئين منذ (النكسة والنكبة) ولم يتمكنوا من العودة حتى هذا اليوم. فمنذ 2007 تُفرض قيوداً على الغزيين وحصارات جوية وبحرية وبرية بشكل تعسفي. وحملت الاحتلال الإسرائيلي، مسؤولية منع الإمدادات الطبية والغذاء على غزة بوصفها تخالف القوانين الدولية الإنساني.
وأشارت إلى أن إسرائيل نفذت تطهيراً عرقياً تحت ضباب الحرب، وتحاول الضغط على مصر لاستقبال النازحين من غزة، حيث تعمل حاليًا على تهجير أكثر من مليون مدني في غزة إلى جنوبها… "لكن أقرب معبر حدودي هو معبر إيرز، وإذا أرادت إسرائيل ضمان سلامة المدنيين في غزة، فعليها السماح لهم بالوصول الآمن إلى إسرائيل، إلا أن الواقع يتمثل بإنكار حق العودة للاجئين الفلسطينيين، خصوصاً مع وجود حوالي 80% من سكان غزة هم لاجئون معترف بهم، وينبغي تمكينهم من الوصول إلى إسرائيل والضفة الغربية المحتلة، إذا ما اختار اللاجئون ذلك، وذلك بالتأكيد أحد تجليات شروط الوجود الهيكلية الكامنة للاحتلال العسكري المطوّل، والاستعمار الاستيطاني، ونظام الفصل العنصري”، وفقا لبستكي.
بين كل هذه الطروحات والنقاشات، يتبين أن نكبة الـ48 مشابهة لنكبة 7 أكتوبر إذا ما أردنا اعتبارها نكبة جديدة ، فالذهنية الاستعمارية الإسرائيلية تذهب نحو بناء مستوطنات يهودية في غزة وهو أمر خطير وارتدادته ستصل كافة الدول المجاورة، لذلك من المهم التحرك لوقف جميع الأعمال العدائية، وإلغاء أوامر "الإخلاء” والسماح بالعودة الآمنة دون عوائق لجميع الفلسطينيين النازحين داخليًا إلى ديارهم، وكذلك السماح بتوفير السلع والخدمات الأساسية دون عوائق، بحسب توصيات الورقة المرجعية.
وطالبت الورقة بالسماح بالوصول المستدام والآمن والخالي من العوائق للأونروا والوكالات الإنسانية الأخرى التابعة للأمم المتحدة وشركائها المنفذين واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وإنشاء آلية عاجلة لضمان حماية السكان المدنيين الفلسطينيين، بما يتوافق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وأيضاً الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، والذي يُعدّ انتهاكه بشكل متكرر والإفلات المستمر من العقوبات التي يفرضها من الدوافع الرئيسية للكارثة الحالية، وصولاً لإنهاء الاحتلال العسكري والحصار الذي طال أمده، وتفكيك نظام الفصل العنصري.