لا شك في أن سياسة جيش الاحتلال في التعامل مع مجمع الشفاء الطبي مختلفة تماما عما جرى مع باقي المستشفيات، فبالإضافة إلى العمل على قتل الأبرياء هنالك جانب نفسي لم يعد يخفى على أحد ويتعلق بخلق حالة رمزية للمجمع مرتبطة بتحقيق النصر المزعوم ولذلك يتم يومياً الحديث بشكل مكثف عن المجمع من منطلق أنه قاعدة لقيادة المقاومة الفلسطينية وموقع وجود الأسرى الصهاينة ، ولذلك يتم ربط سقوط المجمع بسقوط المقاومة في صناعة مكشوفة للرواية صهيونية القائمة على للكذب والتزييف.
لا يوجد أدنى ذرة شك بأن الجهاز الإعلامي الصهيوني قد أعد "البروباغاندا" الخاصة بسيناريو ما بعد اقتحام مجمع الشفاء الطبي كما سبق أن فعلوا في مستشفى الرنتيسي في الرواية الغبية المكشوفة في حينها، ولكن روايتهم المزعومة لمجمع الشفاء ستكون على مستوى أعلى من سابقاتها نظراً لما فعلته الماكينة الإعلامية الصهيونية من ترويج مسبق لما يحتويه المجمع من قيادات المقاومة الفلسطينية والأسرى وغيرها من الأكاذيب وهي الرسالة التي ستكون موجهة بشكل رئيسي للمجتمعات الغربية.
ونحن في العالم العربي على مستوى الشعوب قد أصبح واضحاً لغالبيتنا أن الكيان الصهيوني هو كيان إرهابي عنصري لذلك لا يتوارى عن ارتكاب أبشع أنواع الجرائم ضد المدنيين، حيث يؤكد ذلك كبار حاخامات اليهود بما جاء في التوراة المزعومة "سفر التثنية" الإصحاح 16:20 "قواعد الحرب: لا تسمح لأي شخص بالبقاء على قيد الحياة ! لا شيء، لا رحمة"، وكذلك يوجد في "سفر التثنية" الإصحاح 19:25 "تمحو ذكر عماليق، محو ذكر عماليق تماما من الوجود، وهذا يشمل الرجال والنساء والأطفال، ليس لهم الحق في الوجود".
لذلك فإن الأمة الإسلامية عموماً والشعب الفلسطيني خصوصاً تخوض حرب وجود ضد اليهود في أرض فلسطين وقد أفتى العديد من كبار علماء المسلمين فيما يخص وجوب نصرة الفلسطينيين، فقد جاء في البيان الختامي لملتقى علماء المسلمين لنصرة شعب فلسطين عام 2006 (يجب على المسلمين حيثما كانوا أن يعينوا إخوانهم في فلسطين بشتى أنواع العون بالمال، واللسان والقلم والنفس والعون المالي)، وكذلك فعل علماء الجامع الأزهر الشريف وعلى رأسهم الشيخ محمد مأمون الشناوي شيخ الجامع الأزهر والشيخ محمد حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية، ليس ذلك فحسب بل وقد أفتى الشيخ ابن باز بأنه من الواجب على الدول الإسلامية وعلى بقية المسلمين تأييدهم ودعمهم ليتخلصوا من عدوهم وليرجعوا إلى بلادهم، عملا بقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:123]
بعد ما حصل على مرأى من العالم بأسرة من إجرام صهيوني بحق الأبرياء الفلسطينيين ورفض معظم قادة العالم العربي والإسلامي ذلك الإجرام، لم يعد هناك ما يمنع الدول الإسلامية سواء بشكل جماعي أو بشكل فردي من اتخاذ ما يمكن من القرارات التي قد تخفف على أشقائهم الفلسطينيين، فلم تعد الشعوب تتقبل كل هذا الإجرام حيث لم يقدم الشجب والنقد أي شيء بل أنه زاد من غطرسة جيش الاحتلال الذي لم يجد ما يردعه ويوقفه عند حده سوى المقاومة الفلسطينية محدودة الإمكانات والتي عملت الولايات المتحدة جهودا كبيرة لمنع دخول دول العالم الإسلامي في المواجهة وبالتالي استفرد العدو الصهيوني المجرم بالشعب الفلسطيني ولذلك بدأ بحرب الإبادة بعدما عجز في مواجهته مع المقاومة الفلسطينية.
بالعودة إلى فكرة اقتحام جنود جيش الاحتلال لمجمع الشفاء الطبي، فهذه جريمة جديدة لن تسقط بالتقادم في سجلات الكيان الصهيو-أمريكي وأوروبا.، واستمرار الإجرام الصهيوني في حرب لا يمكنه تحقيق نصر حقيقي فيها ويستمر التواطؤ العالمي في هذا الإجرام البشع وهو ما لا يمكن الصبر عليه من الشعوب وينتشر صراع الكراهية ولا يمكن لأحد في حينها السيطرة عليه.
وكبديل مؤقت لما يحدث في المستشفيات لماذا لا تعمل دول العالم الإسلامي بأسرع وقت لإدخال مستشفيات ميدانية من معبر رفح لتعمل في أقصى جنوب القطاع على أساس أنه بعيد عن مناطق الحرب حسب الرواية الصهيونيةَ؟! وإلا فهذا يعني أن الجريمة ليست مقتصرة على الكيان الصهيو-أمريكي وأوروبا.
لن تسقط غزة باقتحام جيش الاحتلال لمجمع الشفاء الطبي والمستشفيات عموماً، وأحد الشواهد على ذلك أن صواريخ المقاومة لا زالت تتساقط على تل الربيع وأسدود والمستوطنات، وصمود المقاومة بقوتها العسكرية لمدة أربعين يوماً يعني أن غزة لا زالت صامدة وهذا أهم صور النصر الفلسطيني حتى الآن.