رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

قنابل تقتل البشر والأحلام . بقلم .. د. انتصار الزيود

قنابل تقتل البشر والأحلام .  بقلم .. د. انتصار الزيود
جوهرة العرب

د. انتصار الزيود
عادة ما تكون الجنائز كبيرة، يرافقها حشد من الناس، تكبيراتهم العالية تملأ المكان، وهناك في المقابر ذات المعالم الواضحة، يختار أهل الميت مكان تتواجد فيه  قبور للعائلة، حتى يدفن الميت مع أقاربه، ثم تنتهي الجنازة بالعزاء لأهل الميت، ثم يعودون أدراجهم إلى أماكن سكناهم. 
حالة مختلفة تحدث في حرب غزة المحتلة، لا يوجد لها نظير، ولا يمكن مقارنتها بأية حرب سابقة، حيث كل المعالم على وجه الأرض تحرق، وتسحق بآلة الحرب التي لا تبقي ولا تذر، وكل ثابت أو متحرك يقصف بالقنابل والصواريخ ، حتى رفات الأموات يتم قصفها أو نبشها من جنود الاحتلال. 
في غزة  تقتل الكلمة في مهدها، ويكسر القلم هو واليد التي تكتب فيه، الصورة تمزق قبل أن تخرج من آلة التصوير، وتختلط بالدم رغم ألوانها الرمادية، التي تفصح عن الموت، فقط في غزة يقتل الطفل الرضيع، والأم الحبلى، والمسعف الذي يهرع إليهم لينقذهم، ويذهب بهم للطبيب، الذي قتل هو الآخر وهو يجري عملية جراحية بدون مخدر في باحة المشفى، التي قصفت من الاحتلال الأعمى الذي لا يعرف الإنسانية، أو يفرق بين مشفى ومعسكر جيش، وتكسر آلة التصوير بين يدي المصور الذي أراد أن يكشف الحقيقة، وتصوب نحو رأسه رصاصة ليرتقي شهيداَ، ليموت كل شيء، ويحرق كل شيء، وتدفن الأحلام مع الحالمين بالعيش الخالي من القتل والدمار. 
هي أحلام بسيطة خالية من البذخ والترف، وذات كلفة بسيطة إذا ما قورنت بأحلام أي شخص على وجه الكرة الأرضية، ولكم أن تتخيلوا كم كانت أحلام الناس في أماكن غير غزة، من امتلاك قصور وأراض وعقارات، بل كم يتخيل البعض امتلاكه لمرآب يضم مجموعة من أغلى السيارات الفارهة في العالم، لكن حجم أحلام أطفال وشباب غزة هي واقع حاصل لأي شخص يعيش حياة طبيعية، يمتلك بيتاَ آمناَ، وعملاَ أو يدرس في مكان لا تقصفه القنابل ، ومستقبل يخلو من المفاجأت المرعبة، حيث لا قتل ولا تنكيل، لا أشلاء بشر متناثرة في الطرقات، أو يعود لبيت تساوى بالأرض وقتل كل من فيه، وحذفت أسمائهم من السجلات المدنية، وتتبعثر الأحلام وأصحابها. 
ما نشاهده في غزة من صور وقصص من الألم والمعاناة من الصعب حصرها، ما يحدث فيها من جرائم وبطش ضرب من  المستحيل واللامعقول، وكأنها في كابوس مجنون، لو قرعت كل أجراس العالم لن تصحو منه، تقرأ في أعين الناس عشرات الأسئلة، تنطق ألسن الأطفال:هل نحن في حلم أم ماذا؟ ما يجري لهم صعب التفسير، لقد سرقت أحلامهم الجميلة، وتم استبدالها بكوابيس مرعبة من كيان محتل دفن كل حلم جميل مع كل الفتيان الذين ارتقوا شهداء، منهم من كتب إسمه على كفنه، ومنهم مجهول الهوية، لأن ملامحه الجميلة تشوهت وبات من الصعب معرفته، وتم دفنهم على عجالة دون مراسم للدفن تحت القصف الأهوج ، دفنوا في الطرقات والساحات، بعيداً عن المقابر التي شوهت معالمها أيضاَ، وذهبت الأحلام مع أصحابها، وبقيت الأماكن تبكي عليهم، وتذرف دموعاَ تشبه الأحلام تمتزج مع ذرات تراب غزة، إلى أن ينزل الله سبحانه من السماء نصراَ مبيناَ بإذنه، وتنبت الأحلام من جديد. 
رحم الله الشهداء.