الحريات بمفاهيمها المستحدثة في دول الغرب ليست إلا حفنة من البدع المختلقة التي سُطرت بمثاليات مزيفة على مر العقود ترويجاً لمفهوم العالم الحر الجديد الذي خلقت فيه تشريعات لحرية الاختلاف الاختيار والافصاح ثم وضعت لها المقاييس الموازين والتصنيفات تحت مسمى حقوق الانسان وحرية التعبير بما يتناسب مع مصالح الغرب السياسية والاقتصادية واستخدام هذه المعايير لإدانة وتجريم ما لا يتوافق مع أهواءهم وتوجهاتهم لتكون مبرراً مشروعاً لما يتخذ من قرارات تسير مخططاتهم بشتى الوسائل والأساليب لتحقيق غاياتهم الاستعمارية العالمية. لتأتي بعد ذلك حرب غزة فتعري كل هذه المفاهيم وموازينها البشرية الوضعية وتكشف حقيقة ازدواجية المعايير الدولية وزيف الإدعاءات بالمساواة بين البشر واحترام حقوق الانسان بعيداً عن أي تمييز عنصري مهما كان نوعه. وقد صرحت عن ذلك جلالة الملكة رانيا العبدالله قائلةً :((أدركنا أن بعض الأرواح تبدو وكأنها أقل قيمة وأن القوانين والمبادئ الدولية هي امتيازات للبعض وليست حقوقا للجميع)).
فالعالم الحر الجديد الذي كان يتغنى بحرية التعبير وحق الاختلاف يقف اليوم موقفاً عدائياً جلياً واضحاً ضد كل من ينتصر للشعب الفلسطيني أو يسعى جاهداً بكل السبل الممكنة لإنهاء معاناته في ظل الاحتلال الصهيوني بالحث على إيقاف حرب الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة وقد شهدنا مسبقاً ردات الفعل الهوجاء التي تعالت أبواقها منذ بداية الحرب الأخيرة في الإعلام الغربي ضد مواقف وتصريحات جلالة الملكة رانيا العبدالله التي تحدثت بمصداقية لا تضاهى معبرة عن رأي الملايين حول العالم بمشاعرهم الإنسانية الخالصة اتجاه كل ما يجري في فلسطين المحتلة والتي أيضاً فندت الإدعاءات الصهيونية وانتقدت المعايير الدولية المزدوجة في التعامل مع الصراع الفلسطيني الصهيوني واستخدامات مصطلحي (معاداة السامية والإسلاموفوبيا).
وعندما عجزت هذه الأبواق المتصهينة عن الرد المنطقي والعقلاني اتجاه ما أبدعت جلالتها في طرحه احقاقاً للحق و مناداة لتحقيق العدالة والسلام للشعب الفلسطيني في مقابلاتها التلفزيونية أو حتى في مقالتها الصحفية الأخيرة. توجهت الأفواه والأقلام المأجورة المتربصة للحديث عن معطيات لا تمت بأي صلة للقضية الأساسية -المرتكزة حول الإبادة الدموية والتهجير القسري بحق الشعب الفلسطيني - بمحاولات يائسة بائسة منهم لصرف النظر عن الحقائق المثبتة بتعليقات عنصرية عن الأصول والمنابت والتعرض لاختيارات جلالتها الشخصية فيما يتعلق بأناقتها و ما ترتديه من تصميمات الماركات العالمية متناسين أن جلالة الملكة رانيا العبدالله هي زوجة سليل النبوة الملك عبدالله الثاني و"أم الحسين" ولي عهده الأمين حفظهم الله و رعاهم أجمعين والتي تعتبر أيقونة عالمية ومثالاً يحتذى به بما قدمته عبر السنين من جهود مميزة رائدة تركت فيها بصماتها الواضحة في دعم القضايا الإنسانية حول العالم وبالأخص في حقوق المرأة والطفل كما أن لها أكبر الأثر محلياً في دعم وتطوير مسيرة التعليم والتمكين الاقتصادي والمجتمعي للمرأة الأردنية بكل الطرق الممكنة حيث أن جلالتها بتواضعها واحتشامها الأنيق الدائم تألقت في عدة مناسبات بارتدائها ما صنعته أيادي تلك السيدات الأردنيات من مطرزات الأثواب التقليدية دعماً وتقديراً لجهودهن العظيمة واعتزازاً وافتخاراً بتراثنا الأردني العريق.
إن مفهوم الحريات حقوق الإنسان حرية التعبير حرية الصحافة الجرائم الإلكترونية و تطبيقاتها هو محل جدل واحتدام دائم مستمر ما بين الشرق والغرب و تحديداً في السنوات الماضية و بالأخص فيما يتعلق بمختلف الأجندات التي كانت تطرح ويحاول تمريرها تحت بنود متعددة مثل تحرير المرأة، المساواة بين الجنسين، قانون الطفل، وغيرها من المطالبات بحقوق تحت مسميات مختلفة تتعارض مع معتقداتنا دياناتنا وفطرتنا السوية السليمة. لكن إن ما حدث و مازال يحدث في قطاع غزة حالياً هو انتهاك لأهم الحقوق البشرية على الإطلاق الذي لا يقبله عقل منطق أو ضمير حي أينما كان وهو الحق الأزلي بالحياة فالقتل الإبادة والتدمير الشامل لم يدع أي مفهوم كان للحريات لم ينتهكه بشكل سافر ومعلن أمام مسمع و مرأى من العالم بأسره مقابل صمت مخزي فاضح لكافة المنظمات والهيئات التي تمثل المجتمع الدولي الذي يقف بدوره عاجزاً تماماً عن تنفيذ أي قرارات يتخذها ضد جرائم الكيان الصهيونى أو امتلاك أدنى قدرة على إيقافها.
فعلياً لقد أصبحنا جميعاً نقف عاجزين أيضاً حتى عن التصديق لكل ما مر بنا أو التفكير بما هو قادم لنا فلا بوارق أمل لانفراجات تلوح بالأفق القريب ولا وعود تقال فتصدق أنها قابلة للتحقيق. إننا وبكل أسف نتخبط باستمرار في متاهات لا تنتهي لصراعات لن تنتهي لا نملك فيها إلا قلوباً ثكلى بالأوجاع الآلام والأحزان تتضرع لله العلي القدير أن تحل علينا جميعاً عدالة عاجلة من السماء. والله دوماً من وراء القصد