في سياق الحديث عن الإعلام وأهميته بالنسبة للدولة الأردنية تستوقفني العديد من الملاحظات والإشارات التي أرى انها ما زالت غائبة عن راسمي السياسات الإعلامية للمؤسسات الرسمية وكذلك القائمين على وسائل الإعلام في القطاع الخاص والذي خلاصته ان أهمية الإعلام لا تقل عن أهمية المسؤوليات المناطة بالأجهزة الرسمية المعنية بأمن واستقرار الوطن ونهضته .
وأزيد في هذا السياق ما بتنا نشهده في عصر الرقمنة بالنسبة لوسائل الإعلام التي سارعت الى مواكبة هذا التطور ما عزز من دورها وفاعليتها على المستويين المحلي والدولي .
وفي العديد من الدول يُنظر الى الإعلام بانه ( جيش الكلمة ) سواء من جهة تسويق الخطط والبرامج الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني وتوجيه الرأي العام لرفع مستوى الوعي والثقافة وتعزيز القدرات الإبداعيّة وفي تطوّر وتقدّم الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة ومن جهة التصدي لمحاولات زعزعة الأمن واثارة الفتن ونشر الإشاعات الى جانب دعم مكانة الدولة خارجيا .
دور الاعلام ومسؤولياته لدى العديد من الدول لا ينفصل عن المسؤوليات الأمنية ومصالحها فهي بالنسبة لهم قوة لا تقل أهميته عن دور الجيوش كما شهدنا ابان غزو العراق وفي الحرب على سوريا واليمن وغيرها من الصراعات الدولية ويحدث الآن بالنسبة للحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة حيث يلعب اعلام دولة الكيان واعلام الدول الداعمة لها دورا رئيسيا لقلب الحقائق والتغطية على الجرائم التي يتم ارتكابها بحق اصحاب الأرض .
اردنيا قد نكون من بين أوائل الدول العربية وعلى مستوى الإقليم التي شهدت انتشارا واسعا لوسائل الإعلام بكافة أنواعها لا بل أن اعلاميون اردنيون كان لهم مساهمات فاعلة في صناعة الإعلام وتطوره لدى العديد من الدول العالمية والعربية كما لا يستطيع احد ان يُنكر الدور المشرف لأعلامنا الرسمي والخاص على حد سواء في التعامل مع الحرب على غزة وتداعياتها مشكلا منارة يشار اليها بالبنان .
في مقالة سابقة تناولت دور وأهمية الأعلام في خدمة الدولة الأردنية والدفاع عن مصالحنا العليا ليخرج من بوتقة ( الشخصنة ) وبخاصة الإعلام الرسمي فمن غير المقبول ان يتركز دورها على نشر البيانات وتصريحات المسؤولين والتي بأغلبها تستهدف تلميعهم والمفترض ان تُسهل الحكومات مهام وسائل الإعلام بكافة انواعها وان تدعمها بكونها أولا تقوم بدور رقابي وثانيا الأقدر على تسويق برامجها وابراز انجازاتها والذي من شأنه تضييق فجوة انعدام الثقة التي عانت منها الحكومات المتعاقبة ومعها الحكومة الحالية .
ويحضرني في هذا الشأن ما سبق ووجه به جلالة الملك قبل نحو أربعة أشهر حين دعا الحكومة الى مراجعة مشروع قانون ضمان حق الحصول على المعلومات بما يكفل حق الجميع في الحصول على المعلومات الصحيحة والدقيقة وبشكل سريع مما يساهم في الرد على الإشاعات والأخبار الكاذبة فغياب المعلومات عن الصحفي تجعله يجتهد وفي هذه الحالة قد يخطئ فهو ليس بملاك وحينها قد يتعرض للمسائلة القانونية ويحد من نشاطه .
في عهد وزير الاتصال الحالي الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور مهند المبيضين تم اطلاق منتدى التواصل الحكومي والذي وصفه الزملاء في الوسط الإعلامي بمثابة جسر لم نعهده من قبل للتواصل مع الإعلام واعتبروه فاتحة خير ونقطة انطلاق نحو اعادة ترتيب أوراق العلاقة بين الحكومة ووسائل الإعلام لأهمية ذلك في تعزيز شراكة حقيقية وفاعلة هدفها خدمة الدولة بكافة مكوناتها فالمكاشفة بدون بهورة والحديث بصراحة وشفافية من دون حواجز وبروتوكولات من أهم عناصر الحوكمة الرشيدة ولدحض الشائعات والتصدي للأخبار الكاذبة والمدسوسة ما يسهم في المحصلة الى اعادة بناء ثقة العامة بأجهزة ومؤسسات الدولة .
اطلاق منتدى التواصل الحكومي خطوة مقدرة وفي الإتجاه الصحيح والأمل ان نشهد مستقبلا تشكيل مجلس أعلى للاعلام يضم اصحاب الخبرات من مختلف وسائل الإعلام على غرار المجلس الإقتصادي والإجتماعي ليتولى اعداد استراتيجية وطنية ملزمة لكافة وسائل الإعلام والعاملين بمهنة المتاعب ومعالجة تعدد التشريعات الناظمة للعمل الصحفي فالمصلحة الوطنية تقتضي اعادة ترتيب الأوراق ليصبح الاعلام الاردني " الرسمي والخاص " في خندق واحد بخدمة الدولة الاردنية .