سجلت دولة جنوب أفريقيا سابقة تاريخية مهمة جدا عندما نقلت القضية الفلسطينية من إطارها الفلسطيني والعربي والإسلامي إلى الإطار الدولي بكل معنى الكلمة وليس مجرد تصريحات جوفاء، والشاهد على ذلك حالة التخبط والغضب التي غلفت تصريحات وردود فعل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية وظهر ذلك بوضوح من التصريحات المنفعلة لجميع قيادات الكيان وكذلك المسؤولين الأمريكان وأبرزهم وزير الخارجية.
الإيجابيات عديدة وكلها استراتيجية، حيث تتمتع جمهورية جنوب أفريقيا بقيمة عالمية كبيرة من نواحٍ عديدة، فهي وجهة سياحية أساسية وكذلك هي بلاد مصدر للعديد من المنتجات والثروات الطبيعية والمواد الأولية في الصناعة ولذلك فهي دولة معروفة ولها قيمة حقيقية في العالم سواء من نواحٍ اقتصادية وسياحية وحتى عسكرية، ولأنها دولة مهمة استراتيجية في موقعها الجغرافي وفي ميزاتها فإن تقديمها للشكوى بحق الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية لقطاع غزة يعتبر تطورا كبيرا في طريق تجريم الكيان المحتل وتعريضه لعقوبات غير مسبوقة.
ولأنها دولة غير عربية وكذلك ليست من دول العالم الإسلامي فإن الصهيونية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لن تجد هذا مدخلاً للتشكيك بالشكوى في وسائل الإعلام من منطلق الانحياز الديني أو العرقي، وهذا سبب استراتيجي أدى إلى اكتساب القضية أبعاداً متعددة الجوانب منها على سبيل المثال أن العديد من الدول من مختلف قارات العالم على المستويين الرسمي والشعبي سيعلمون الرواية الحقيقية لما جرى ويجري في فلسطين لأن وسائل الإعلام الغربية التي فرضت تعتيماً وتضليلاً للرأي العام غير العربي والإسلامي وخصوصاَ تلك الشعوب التي تستقي معلوماتها من الإعلام المسيطر عليه من الصهاينة.
واللغة الإنجليزية التي تصل بها الأخبار لمعظم شعوب الأرض غير العربية هي اللغة المستخدمة في محكمة العدل الدولية وهذا البعد عميق في تأثيره على المدى القصير والمدى البعيد في اختراق لزمن طويل سيطرت عليه الرواية الصهيونية المزيفة على الرأي العام العالمي.
ليس ذلك فحسب، بل إن إحدى أبرز مزايا رفع جنوب أفريقيا تحديداً للقضية أنها دولة مستقلة تماماً عن الهيمنة الأمريكية ولذلك فهي غير خاضعة للضغوط الاقتصادية والعسكرية التي تستخدمها الولايات المتحدة مع العديد من الدول التي تغلغلت فيها أمريكا حتى أصبحت تتحكم في قراراتها السيادية، وهو ما يفسر الصمت الرسمي المريب على هذا المستوى البشع من الإجرام والإبادة التي ترتكب ضد الأبرياء.
وتمتلك جنوب أفريقيا خبرات كبيرة في المجال القانوني والتعامل مع المحاكم الدولية ولذلك فهي تمتلك ميزات عديدة حتى بالمقارنة مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وظهر ذلك جلياً في المرافعات التي قدمها الطرفان حتى الآن والشاهد هنا تحضيرها لملف عميق يستند إلى أصل القضية وهي قضية احتلال بدأ قبل خمسة وسبعين عاماً وليس قضية بدأت يوم السابع من أكتوبر.
من أبرز الدروس التي قدمتها جمهورية جنوب أفريقيا للعديد من دول العالم هي أن فكرة الاستقلال الوطني الحقيقي هو منجز عظيم يجب أن تسعى له الدول التي تخضع للضغوطات الأمريكية والدول الاستعمارية بشكل عام، وقد ظهر ذلك جلياً منذ السابع من أكتوبر حيث تتعرض حكومات العديد من دول العالم لضغوطات أمريكية حتى بلغ الصمت العالمي درجات مبتذلة وسط انتشار مشاهد إبادة المدنيين الأبرياء في قطاع غزة.
ويحق للمواطنين في جنوب أفريقيا الشعور بالأمان الوطني لأن بلادهم تمتلك رئيساً قويا وحكومة حرة، وهي البلد التي عانت أقسى درجات الفصل العنصري وقدمت تضحيات ضخمة حتى أصبح رئيسها السابق "نيسلون مانديلا" رمزا للحرية بين شعوب الأرض، بل إن هذا الموقف الشجاع سينتج عنه لا محالة نتائج إيجابية تنعكس على جنوب أفريقيا ولو بعد حين بعد أن أصبحت هذه البلد محط أنظار العالم أجمع، بل وفي حالة نجاح القضية وتحقيق انتصار قانوني على الكيان الصهيوني وبالتالي أمريكا فإن ذلك سيشكل نقلة نوعية على مستوى العالم ويعيد الاعتبار لمحكمة العدل الدولية بعد أن فقدت العديد من المؤسسات الدولية قيمتها ومصداقيتها بسبب سلبية دورها في وقف حرب الإبادة على الأبرياء الفلسطينيين.
كما خلد "نيلسون مانديلا" اسمه كرمز للحرية، أصبحت جنوب أفريقيا رمزاً للحرية والشجاعة وهي التي انتصرت لصالح الشعب الفلسطيني الذي لم يجد هذا المستوى من السند من ذوي القربى.