باريس، 25 كانون الثاني/ يناير 2024 – أبرمت البوسنة والهرسك، وكرواتيا، والجبل الأسود، ومقدونيا الشمالية، وصربيا، وسلوفينيا، قبل اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا محرقة اليهود، اتفاقاً تاريخياً في مقر اليونسكو بغية ترميم الجناح "17" في متحف أوشفيتز - بيركناو والنصب التذكاري، وإقامة معرض دائم جديد ومشترك يروي تاريخ محرقة اليهود في يوغوسلافيا السابقة، فضلاً عن مصير الأشخاص المُرَحَّلين من اليهود وغير اليهود.
وقالت المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي: "بدأت اليوم أخيراً أربعة عشر عاماً من المفاوضات الدبلوماسية تؤتي ثمارها. يملأ هذا الاتفاق التاريخي فراغاً مرده عدم استحضار الذاكرة في المكان عينه الذي جرت فيه هذه الفظائع، ويُظهر التزامنا المشترك بالاستفادة من الماضي وتضميد جراح التاريخ التي تتخطى آثارها الحدود والأجيال. وتعتز اليونسكو، باعتبارها منظمة الأمم المتحدة المنوطة بها مسؤولية التعليم بشأن محرقة اليهود والإبادة الجماعية، بأنها أصبحت وديعَة للاتفاق، ووصيَّة على الحقيقة، والعين الساهرة ضد طمس الحقائق التاريخية."
شَيّد مُعتَقَلو معسكر أوشفيتز I الجناح "17" في عام 1941 لاستيعاب الأعداد المتزايدة من سجناء المعسكر النازي الألماني للاعتقال والإبادة. وفي ظلّ تعاظم فظاعة آلة القتل، استحالت جدرانه القاتمة رمزاً للمعاناة واليأس، إذ مرّ معظم المرحلين من يوغوسلافيا، البالغ عددهم 20 ألف نسمة، على الجناح "17". وبعدما قرر متحف أوشفيتز - بيركناو والنصب التذكاري إقامة معارض وطنية، استضاف الجناح "17" الجناح اليوغوسلافي في عام 1963. ولكن، انتهى المطاف بهذا الجناح بإيصاد أبوابه في أعقاب تفكك يوغوسلافيا، وبقي مهجوراً منذ عام 2009.
أربعة عشر عاماً من المفاوضات والعمل المشترك
تقدّم اليونسكو، منذ عام 2010، الدعم الدبلوماسي والمادي والفني للدول الخلف ليوغوسلافيا لإعادة إقامة معرض دائم ومشترك. وتمثلت الخطوة الأولى في إنشاء لجنة توجيهية دولية لإرساء أسس رواية موحدة تحت إشراف اليونسكو، وتضم خبراء ومؤسسات ثقافية ووزارات ثقافة من المنطقة وخبراء دوليين من صرح ذكرى الهولوكوست في فرنسا، ومركـز طوبوغرافيا الترهيـب في ألمانيا، ومتحف الهولوكوست التذكاري في الولايات المتحدة الأمريكية.
يسّرت اليونسكو بين عامي 2012 و2019 عقد سلسلة من الاجتماعات التي جرت خلالها مفاوضات بشأن التعاون بين البلدان الستة المعنية. ويشمل الاتفاق الناتج ترميم الجناح "17" وإقامة معرض دائم جديد يتمحور حول أربعة مواضيع، هي: المكان والزمان، الضحايا، المنفذون والمتواطئون، مقاتلو المقاومة، مع إيلاء التركيز إلى الأشخاص المرحلين إلى أوشفيتز نتيجة لسياسات الاضطهاد النازي خلال الحرب العالمية الثانية في يوغوسلافيا السابقة. وسيتولى تصميم المعرض المهندس المعماري، دانيال لبسكند، المشهور بقدرته على استحضار الذاكرة من خلال الهندسة المعمارية، وذلك بدعم من النمسا والصندوق الاستئماني لعائلة هيرمان.
وحضر مراسم التوقيع وزراء الثقافة في الدول الست المشاركة أو وكلاؤهم، والمديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، التي وافقت، بناء على طلب الدول، على الاضطلاع بمهام الوديعة للاتفاق. وتجدر الإشارة إلى أنّ متحف أوشفيتز - بيركناو والنصب التذكاري مدرج في قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي منذ عام 1979.
وقال فويتشيك سوكزيويكا، المدير العام لمؤسسة أوشفيتز- بيركيناو: "بذلت مؤسسة أوشفيتز- بيركيناو جهوداً منقطعة النظير تمثلت في إقامة تحالف عالمي يضم زهاء 40 حكومة من حكومات العالم والعديد من المدن والعشرات من الجهات الخيرية الخاصة، الذين جعلت تبرعاتهم الحفاظ على موقع التراث العالمي لليونسكو ممكناً. ويُعتبر احتفال اليوم دلالة واضحة على أن حكومات البوسنة والهرسك، وكرواتيا، والجبل الأسود، ومقدونيا الشمالية، وصربيا، وسلوفينيا، على استعداد للانضمام إلى هذا التحالف، وبالتالي المساهمة في إحياء الذاكرة وتحمل مسؤوليتنا تجاه الأجيال القادمة. ولم يكن هذا النجاح الشامل ليتحقق لولا اليونسكو".
اليونسكو تدعم التعليم بشأن محرقة اليهود في جميع مناطق العالم
تلتزم اليونسكو بضمان تثقيف الأجيال الجديدة في كل مكان بشأن الوقائع الحقيقية عن محرقة اليهود من خلال برنامجها الدولي المعني بالتعليم بشأن محرقة اليهود والإبادة الجماعية، بالشراكة مع متحف الهولوكوست التذكاري في الولايات المتحدة الأمريكية وبدعم من حكومة كندا. ووصل البرنامج منذ عام 2015 إلى 24 دولة عضواً في جميع مناطق اليونسكو. وتحظى الدورة الحالية للبرنامج بدعم من حكومة كندا وتشمل مشاركة البرازيل وكمبوديا وكولومبيا وإكوادور واليونان والهند والمغرب ونيجيريا وصربيا ورواندا والإمارات العربية المتحدة.
تقدّم اليونسكو المساعدة منذ عام 2015 إلى جميع الجهات المعنية بالتعليم لاستحداث مبادرات طويلة الأجل لتعزيز التعليم بشأن محرقة اليهود والإبادة الجماعية في بلدانهم. وتقدّم المنظمة في الوقت الراهن التدريب لجميع الأشخاص الذين يعملون في الخطوط الأمامية من معلّمين ومربّين ومديري مدارس وعاملين في مجال التثقيف، كي يكونوا مُجَهَّزين للتصدي لمعاداة السامية داخل وخارج الصفوف المدرسية بغية درء معاداة السامية في كرواتيا واليونان – وتعتبر حلقة العمل هذه الأولى ضمن سلسلة مؤلفة من 12 حلقة عمل أوروبية تحظى بتمويل من المفوضية الأوروبية وستتواصل في ربيع هذا العام في كل من سلوفينيا والنمسا وبلجيكا وفرنسا وإسبانيا.
تعمل اليونسكو في صربيا مع مركز ستارو ساجيميشتي التذكاري ومتحف ضحايا الهولوكوست لتصميم معرض وإعداد مواد تعليمية عن محرقة اليهود. وتقدّم المنظمة الدعم في سراييفو لإنشاء متحف عن محرقة اليهود بغية إحياء ذكرى إبادة أكثر من 80٪ من سكان البوسنة والهرسك اليهود.