بقلم: ناجي حداد، نائب الرئيس في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى دليفكرت
شهد العام 2023 هدراً يقدر بنحو 17% من إجمالي الإنتاج العالمي للطعام، وخسارة حوالي 14% من الطعام المنتج عالمياً، ويعد هذا الأمر هاماً للغاية نظراً للأثر الاقتصادي الكبير لتلك الأرقام على الجهود المبذولة في مكافحة الجوع والفقر والتدهور البيئي، ومن المؤسف للغاية ارتفاع هذا الرقم بنسبة 25% خلال شهر رمضان مقارنةً بالأشهر الأخرى. على الرغم من أهمية معرفة أسباب هدر الطعام، إلا أنه يجب علينا أيضاً فهم الأثر البيئي له وندرس الحلول المبتكرة لمواجهة هذا التحدي.
ماهي أسباب هدر الطعام؟
يمكن حصر هدر الطعام بمستويين رئيسيين هما الهدر على مستوى الإنتاج وسلسلة التوريد، والهدر عند مستوى المستهلك. ويظهر الهدر عند مستوى المستهلك جليّاً في قطاع المأكولات والمشروبات، وتلعب سلوكيات وتوجهات المستهلكين دوراً كبيراً في هدر الطعام عند هذا المستوى بما في ذلك الإفراط في شراء الطعام، وسوء تخطيط الوجبات، والفهم غير الكافي لملصقات المعلومات التي تحمل تفاصيل تاريخ صلاحية المنتج، إذ يساهم نقص الوعي حول تأثير هدر الطعام وكيفية التخزين والاستخدام الصحيحين لبقايا الطعام في تفاقم المشكلة بشكل أكبر.
أما الهدر على مستوى الإنتاج، فهناك عوامل عديدة تؤدي إلى خسائر كبيرة في الأغذية عند هذا المستوى مثل الإفراط في الإنتاج، وعدم كفاية مرافق التخزين، وأساليب الحصاد غير الفعالة، إلى جانب أوجه القصور اللوجستية. وغالباً ما تؤدي معايير الجودة الصارمة إلى التخلص من الأطعمة الصالحة للأكل بشكل كامل فقط لأنها لا تلبي معايير شكلية محددة.
آثار هدر الطعام
إن لهدر الطعام عواقب بيئية خطيرة وتأثير اجتماعي ملموس، إذ يسهم هدر الطعام في زيادة انبعات الغازات الدفيئة، فمع تعفّن الطعام المهدور في مكبات النفايات سينتج عنه غاز الميثان الذي يُعد أحد أقوى الغازات الدفيئة. كما يُعد هدر الطعام استنزافاً للموارد المستخدمة في إنتاج الغذاء، مثل المياه والتربة والطاقة والعمالة ورأس المال، ويساهم في إزالة الغابات وفقدان التنوع البيولوجي.
أما من الناحية الاجتماعية، يمثل هدر الطعام عقبة في وجه المساعي المبذولة للتخفيف من حدة الجوع في العالم، حيث يؤدي إلى تزايد انعدام الأمن الغذائي، وخاصة في المجتمعات الفقيرة. ومن الناحية الاقتصادية، فيعد هدر الطعام استنزافاً للموارد وله تأثير على كافة فئات المجتمع بدءاً من الأسر وانتهاءً بكبار منتجي الأغذية.
الخطوات التي تم اتخاذها للحد من هدر الطعام
تنفذ الحكومات في جميع أنحاء العالم سياسات لمعالجة مشكلة هدر الطعام، تتراوح من منع محلات السوبر ماركت من التخلص من الأطعمة غير المباعة إلى تحديد أهداف وطنية للحد من هدر الغذاء. وتعتبر التدابير التنظيمية أموراً حاسمة للغاية في تشكيل نهج أكثر استدامة لإنتاج واستهلاك الأغذية، حيث أعلنت دولة الإمارات عن حملة وطنية تسمى "نعمة" لتحقيق خفض بنسبة 50%في هدر الغذاء بحلول عام 2030. وبالمثل، أطلقت المملكة العربية السعودية برنامجاً وطنياً للحد من هدر الغذاء بقيمة 40 مليار ريال سعودي (10.66 مليار دولار) بحلول عام 2030. وتعد هذه المبادرات مثالاً عن الحملات الناجحة والتي تبين مدى الاهتمام بهذا الموضوع في المنطقة.
هناك أيضاً توجه متزايد لتقليل هدر الغذاء على مستوى المجتمع والفرد، منهاالثلاجات المجتمعية، وبرامج التسميد، وحملات التوعية العامة، والبرامج التعليمية التي تعلم المستهلكين كيفية حفظ الأغذية وتقنيات تقليل النفايات. ولا شك بأن بوسع المستهلكين أن يلعبوا دوراً محورياً، حيث تشمل الإجراءات البسيطة التي يمكنهم القيام بها التخطيط للوجبات، وفهم ملصقات تاريخ الصلاحية، وتخزين الطعام بشكل مناسب، واستخدام بقايا الطعام. كما يعد التبرع بفائض الطعام لبنوك الطعام والملاجئ أيضاً نهجاً عملياً مناسباً.
الخطوات التي يمكن اتخاذها في قطاع المأكولات والمشروبات للحد من هدر الطعام
يمهد التقدم التكنولوجي الطريق لتقليل هدر الطعام، إذ تشمل الابتكارات الحالية في هذا الشأن كل من التغليف المتقدم الذي يطيل العمر الافتراضيللمنتجات، والتطبيقات التي تسمح للمستهلكين وتجار التجزئة ببيع أو التبرعبفائض الطعام، وتحسين برامج إدارة المخزون في قطاعات المأكولات والمشروبات وتجارة التجزئة والضيافة.
يعد دمج البرامج في أنظمة الشركات العاملة في تلك القطاعات أحد أكثرالخطوات تأثيراً للحد من هدر الطعام، إذ يمكن للبرنامج إنشاء تقارير عنمستويات المخزون، وتوفير رؤى حول درجة استخدام المخزون، وتنبيهك عندماتنخفض مستويات المخزون عن المستويات الاسمية. كما يمكنها أيضاً دمجبعض أنظمة إدارة المخزون مع أنظمة نقاط البيع، مما يؤدي إلى تبسيط عمليةالطلب والتتبع.
وفي الختام، إن معالجة هدر الغذاء تتطلب جهداً جماعياً من الأفراد والشركات والحكومات، ومن خلال فهم أسبابه وآثاره والعمل على إيجاد حلول عملية، يمكننا تقليل هدر الغذاء بشكل كبير، مما يعود بالنفع المرجوّ على البيئة والمجتمع.