تجنيد «الحريديم - الأرثوذكس المتشددين» يخلق أزمة حقيقية في الكيان الصهيوني. فالدعوات لإجبارهم على الانضمام لصفوف الجيش، خلقت أزمة لرئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) الذي طالب بتأجيل تنفيذ قرار التجنيد، بينما تتمسك الأحزاب الدينية بعدم تنفيذ القانون وتهدد بسحب الثقة من حكومته. وعليه تقوم معركة طاحنة الآن بين «إسرائيل العلمانية» وطائفة الحريديم المتطرفة الذين يمثلون 13.6% من سكان الكيان الصهيوني (1,335,000) ويرفضون الخدمة العسكرية حيث تبلغ نسبة الشباب لديهم 58% من شباب «الكيان».
ويعود موضوع إعفاء «الحريديم» إلى الأيام الأولى لنشأة الكيان الصهيوني، حيث أعفى (ديفيد بن غوريون) نحو 400 طالب من الخدمة العسكرية ليتسنى لهم تكريس أنفسهم للدراسة الدينية. وكان (بن غوريون) يأمل من خلال ذلك القرار إبقاء المعرفة والتقاليد اليهودية حية بعد أن كادت تُمحى خلال ما عرف بـ"المحرقة النازية» (الهولوكوست). ولاحقاً، قررت المحكمة العليا في إسرائيل إلغاء قانون صدر عام 2015 يقضى بإعفاء «الحريديم» من الخدمة العسكرية، واعتبرت أنه يمس بـ"مبدأ المساواة».
في الأسبوع الماضي، برزت تطورات مهمة في سياق التشظي الداخلي الصهيوني، تؤكد أن «الكيان» ذاهب نحو المزيد من التفسخ والانشقاقات. ولقد بدأت هذه التطورات بإعلان المحكمة العليا الإسرائيلية أنه لا يوجد أساس قانوني لإعفاء أعضاء المدارس الدينية من التجنيد الإجباري، ويجب إيقاف ميزانيات هذه المدارس، في حين أبلغت المستشارة القضائية لحكومة «الكيان» الوزارات بالاستعداد لوقف تمويل المدارس الحريدية الدينية وبدء تجنيد الحريدييم، وهو الأمر الذي دعا بحزبي «يهودية التوراة المتحدة» و"شاس» للتنديد بالقرار، وتعهدا بمكافحته، إلا أنهما لم يهددا بشكل صريح حتى الآن بالانسحاب من الحكومة، الأمر الذي يخشاه (نتنياهو). فمع أن الرأي العام الإسرائيلي بالمجمل يبدو مؤيدا لإلغاء الإعفاء، فإن الحكومة الحالية تضم حزبين دينيين يمكن أن يؤدي انسحابهما من الائتلاف الحاكم إلى إجراء انتخابات جديدة تشير استطلاعات الرأي إلى أن (نتنياهو) سيخسرها. وفي السياق، قال (جلعاد ملاخ) الخبير في شؤون الأرثوذكس المتشددين في «المعهد الإسرائيلي للديمقراطية»، (وهو مركز أبحاث في القدس) «أن هناك احتمال بأن يكون هذا أول تصدع في جدار الائتلاف الحكومي. الزعماء الأرثوذكس المتشددون يرون في القرار خيانة لوعود نتنياهو، حيث يحصلون على المساعدات المالية والإعفاءات العسكرية مقابل دعمهم السياسي». بل انهم ذهبوا حد التهديد بالرحيل عن «إسرائيل». وكان زعيم التيار «الحريدي» (الحاخام تسفي فريدمان) قد اعلن أن"الموت على ايدي العرب خير من التجنيد في الجيش الإسرائيلي». ووفقاً للكاتب الإسرائيلي (نيحيميا شتراسلر) فان الأرثوذكس المتشددين لا يحترمون اليهود العلمانيين ويُعلّمون أطفالهم احتقارهم، وهم لا يرون الدولة على أنها بداية «الخلاص»، بل هي «استمرار مباشر للنفي التوراتي».
وحقاً إن أزمة تجنيد «الحريديم» تهدد حكومة (نتنياهو). فبحسب صحيفة «الفايننشال تايمز»، فإن «موضوع إعفاء اليهود المتدينين من أداء التجنيد العسكري الإلزامي يزيد الضغوط على الائتلاف الحكومي ويهدد بنسفه. الموضوع المطروح بقوة هذه الأيام يحتم على نتنياهو إيجاد توازن دقيق من شأنه أن يختبر مهاراته في البقاء». وقد رجح أكاديميون انحياز (نتنياهو) إلى شركائه في «الائتلاف اليميني المتطرف» في هذه الأزمة حتى لو تطلب الأمر خروج الوزير بمجلس الحرب (بيني غانتس). ومن المعروف انه خلال العقود الثلاثة الماضية لم يتجرأ أي رئيس وزراء اسرائيلي على اتخاذ قرار حاسم جهة تجنيدهم بالجيش، ذلك أن حكومات «الكيان» يكون للأحزاب الحريدية دور فيها، اللّهم إلا إن كان لـ"طوفان الأقصى» مزيد من البركات التي تثقل كاهل الكيان في ظل معركته الحالية. ــ الراي