ترددت طويلا قبل ان اكتب وسط غلو في الردح المتبادل بين مؤيدي مظاهرات الرابية وبين الرافضين لها وكل يسوق حججه المدعمة لوجهة نظره وقد احترت كثيرا قبل الوصول الى مراد كل طرف مما يرمي اليه فمن جانب اساسي وحق دستوري فقد كفل الدستور الاردني الذي يعد احد اهم الدساتير العربية التي ضمنت حرية التعبير ومخاطبة اصحاب القرار في كافة اشكال التعبير عن الرأي وحرية المعتقد وابداء الرأي ومن جانب اخر اتاحت القوانين الناظمة في الدولة الاردنية واجهزتها المختلفة مراعاة التعبير الحر عن الرأي ضمن ضوابط لا ضرر فيها ولا ضرار وتمارس بما يكفل انسيابية الامن وهدوءه وقدرته على ابقاء المجتمع آمنا مطمئنا في سربه.
اذن في حالة التأمل لما جرى ويجري في الرابية هناك تعبير منضبط يمارسه الاغلبية الذين يندفعون حقيقة نحو تأييد المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان الصهيوني الذي فاق كل الهمجيات العدوانية التي عرفها التاريخ وهولاء المتظاهرون يتفقون تماما مع التوجه الرسمي للدولة الاردنية المنسجم مع الموقف الشعبي تماما والمتماهيان معا في رفض العدوان الهمجي على شعب اعزل الا من الارادة .
اذن ما الذي حدث حتى تنطلق ردات الفعل تجاه ما يجري في ساحة الرابية ردا متشنجا والغريب انه ليس من قوى الامن التي تحفظ النظام وفق شروطه المرجعية ولكنه من بعض القوى السياسية الطارئة ومن بعض المسؤولين السابقين في الدولة الاردنية الذين وصل تشنجهم الى حد ايقاع عقوبات لا يقرها الدستور بحق بعض قيادات المقاومة وهي عقوبات تمثلت بنزع الجنسية منهم وكأن الجنسية معطفا يتم ارتداؤه يوما وخلعه يوما اخر امام هذا الغلو لا بد من الوقوف قليلا لفهم البعد السياسي او العمق السياسي لدى من تبنوا مثل هذه الطروحات الغريبة على النظام السياسي الاردني الذي لم يعرف هكذا قسوة في التعامل مع من يختلفون معه رأيا وموقفا استراتيجيا وليس تكتيكيا كما حصل مع بعض قيادات المقاومة .
بعض الهتافات التي اطلقها متظاهرون كانت غريبة ايضا على وقفات تدين العدو الاوحد غربي النهر وهي تماما تغرد خارج السرب ولا اشك ان خلفها وحدات الذباب الالكتروني الصهيوني المجندة لاختراق الساحة الاردنية واللعب على وتر وحدته الوطنية التي هي رأسماله منذ وحدة الضفتين مرورا بالاندماج الواحد دما ومصاهرة وتقرير مصير .
هل نحن متفرقين الى هذا الحد تجاه دعم المقاومة ودعم فلسطين التي هي اول همومنا واخرها وبذلنا لها الغالي والنفيس ام ان الذباب نجح في اختراق الوحدة الوطنية ليفسح المجال الى صراع وطني داخلي يقطف ثماره عدونا المشترك والوحيد حتى هذه اللحظة .
لعل من باب حسن الطالع وحظنا الوطني ان النظام السياسي الاردني الهاشمي بالضرورة يدرك بشكل اعمق بكثير من ادراك كافة القوى السياسية لمعادلة الوطن الاردني ومكوناته لذلك ولعمق هذا الادراك ظل الوطن بمنأى عن اي صراع داخلي باستثناء احداث ايلول التي حركتها فصائل كانت قد فقدت البوصلة معتبرة تحرير عمان هو اولى خطوات تحرير فلسطين لكن الفتنة تم وادها في مهدها وحسمت لصالح الوطن الذي تتجه دائما بوصلته وقواته وقوته وشعبه نحو فلسطين كاملة .
وليس من باب التبجح ولا التنظير مقولة ان الاردن القوي بالتأكيد هو الحليف القوي لفلسطين وقد اثبت التاريخ صدق هذه المقولة وثباتها استراتيجيا .
ثم ماذا بعد.... هل ما زلنا نرى ان وحدة الساحة الاردنية في مواجهة العدوان الصهيوني هي وحدة حقيقية ام انها غمامة صيف عابرة منطق التاريخ يقول ان المصير واحد وان المواجهة واحدة وان بعض الاصوات التي تعلو هنا او هناك هي اصوات نشاز عاقرة لن تصمد امام الواقع الحقيقي ابدا .