الثورة التكنولوجية التي يشهدها عالم اليوم والانتشار غير المسبوق لاستخدام الانترنت والتحولات الرقمية التي تشمل مختلف القطاعات الاقتصادية وتزايد الاعتماد على الخدمات الرقمية في سائر مناحي الحياة وتطور شبكة الاتصالات ساهم الى حد كبير في تعزيز الأنشطة الاقتصادية وزيادة نموها وانتاجيتها، وأصبحت التكنولوجيا والابتكار من الركائز الأساسية للاقتصاد ووسيلة متاحة لمواجهة العديد من المصاعب والتحديات الاقتصادية وسهلت الحصول على الخدمات وساهمت في تقليص كلفتها.
الا أن ذلك ترافق مع ارتفاع التهديدات الناجمة عن محاولات اختراق الأنظمة الالكترونية بهدف الاستيلاء على البيانات أو تعطيل الخدمات أو الابتزاز المالي، وفي حال عدم مواجهة هذه التهديدات سيؤدي ذلك الى تأثير سلبي على الإنتاجية والاضرار بسمعة وكفاءة المؤسسات الاقتصادية وفقدان ثقة المتعاملين وزيادة الكلف والإساءة الى بيئة الاعمال بشكل عام، أما على المستوى الفردي فعادة ما يؤدى ذلك الى الاستيلاء على البيانات الشخصية واستخدامها لغايات الابتزاز.
ومن الواضح ان قدرة الاقتصاد على الاستفادة من التقدم التكنولوجي ونشر الخدمات الرقمية يتطلب عملاً موازياً في مجال الحفاظ على الامن السيبراني وتطوير البنية الأساسية والمنظومات القادرة على تحقيق التوازن في هذا المجال وبما يضمن القدرة على الاستمرار في تقديم الخدمات والحفاظ على إدارة العمليات بفعالية وكفاءة.
أشار تقرير لصندوق النقد الدولي الى خطر تعرض المؤسسات المالية وخاصة البنوك الى خسائر فادحة نتيجة لتزايد الهجمات السيبرانية، وبين أن خمس اجمالي الهجمات الالكترونية تهدف الى اختراق المؤسسات المالية بهدف سرقة الأموال أو تعطيل الاعمال، ويمكن لمثل هذه الأنشطة في حال نجاحها أن تهدد الاستقرار المالي والاقتصادي عبر تعطيل الخدمات الحيوية أو زعزعة الثقة بالمؤسسات ذات العلاقة.
ومن جانبه فقد حرص البنك المركزي الاردني خلال السنوات الماضية على تطوير البنية التحتية للقطاع المالي بما فيها أنظمة الدفع الإلكترونية والخدمات الرقمية وذلك بالتزامن مع الحفاظ على بيئة عمل وبنية تحية تتمتع بأعلى درجات أمن وحماية البيانات والمعلومات، حيث أصدر إطار الأمن السيبراني للقطاع المالي والمصرفي، والذي تم إعداده بمساهمة ومشاركة مؤسسات القطاع الخاص، مع متابعة مختلف التطورات عبر دوائره المختصة كدائرة أمن المعلومات والأمن السيبراني ووحدة الاستجابة للحوادث السيبرانية للقطاع المالي والمصرفي.
وتشير بعض الدراسات الى أن خسائر الاقتصاد العالمي جراء الهجمات الالكترونية قد تصل الى 10 تريليون دولار عام 2025، أما على المستوى المحلي فتقدر خسائر الاقتصاد الأردني السنوية المباشرة وغير المباشرة بمبلغ يتراوح بين 150 الى 200 مليون دولار، وخلال العام الماضي 2023 تعرض الأردن لحوالي 2450 حدثاً سيبرانياً بزيادة نسبتها 80% عن العام الذي سبقه، مما يوحي بأن التعرض لمثل هذه الحوادث سوف يزداد كماً ونوعاً بالتزامن مع التطورات التكنولوجية وارتفاع نسبة استخدامها.
واستطاع الأردن خلال السنوات الأخيرة وبالتزامن مع جهود التحول الرقمي أن يحقق خطوات متميزة في مجال الامن السيبراني، بما في ذلك اصدار قانون الامن السيبراني عام 2019 وانشاء المركز الوطني للأمن السيبراني عام 2021 والمجلس الوطني للأمن السيبراني.
ويقوم المركز بالعمل على أربعة محاور تشمل ضمان أمن الفضاء السيبراني من خلال المعايير والتشريعات، والصمود والمرونة، وبناء القدرات البشرية، والتعاون والتشارك ولغايات النجاح في تحقيق الأهداف والغايات من هذه الجهود والإنجازات من المهم العمل على تعزيز الشراكة والتعاون الفعال بين القطاعين العام والخاص بما يؤدي لتحصين الأنشطة الاقتصادية وزيادة التوعية المجتمعية، وتحديث البنية التحتية التكنولوجية بما يساهم في ضمان الامن السيبراني ومساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على التأقلم مع ما قد تواجه من تحديات في هذا المجال.
ما يبذل من جهود في ميدان الحفاظ على الامن السيبراني يعد ضرورة لتوفير الحماية للأنظمة الالكترونية للمؤسسات الاقتصادية الرسمية والخاصة ومحفزاً للاستفادة من التقدم التكنولوجي في تطوير المنتجات وزيادة التنافسية وتقليص المخاطر على البنية التحتية للاقتصاد وزيادة الثقة ببيئة الاعمال، كما أن بناء وتأهيل الكوادر البشرية القادرة على التعامل مع تهديدات الامن السيبراني وذات المهارات المتميزة يساهم في الحد من تفاقم نسب البطالة.