تم يوم الأربعاء الماضي الكشف عن نتائج مسح الموازنة المفتوحة للسنة المالية 2023، حيث شمل المسح 125 دولة منها احدى عشرة دولة عربية، وحصل الأردن على المرتبة 42 عالمياً والمرتبة الأولى عربياً بما مجموعه ستون من مئة نقطة، ويعتبر هذا المسح أداة مستقلة وقابلة للمقارنة وتستخدم معايير متفق عليها دولياً ومستندة الى الحقائق.
نبارك للاردن حصوله على المرتبة الاولى عربيا ونشير الى انه يمكن التقدم اكثر على المستوى العالمي بمعالجة بعض الهنات ومواجهة التحديات وحل المشكلات، وكل ذلك ضمن الامكانات.
ويتلخص هدف مسح الموازنة المفتوحة في الإفصاح واتاحة المجال لمختلف فئات المجتمع للحصول على معلومات الموازنة والمشاركة في تحديد أولوياتها وبشكل يمكنهم من الرقابة عليها وبالتالي التأكد من تحقق النزاهة عند إنفاق المال العام وتوجيهه نحو الأولويات الوطنية، بمعنى آخر يتم تقييم إمكانية وصول الجمهور إلى معلومات الموازنة العامة للدولة؛ والفرص المتاحة أمام الجمهور للمشاركة بعملية ومراحل الموازنة؛ ودور مؤسسات الرقابة على الموازنة وصولاً الى تحقيق المساءلة ضمن إطار مؤسسي.
وتشير النتائج الى أن الأردن لم يحقق تقدماً يذكر منذ عام 2017 حيث حصل في حينه على ثلاث وستين نقطة وعامي 2019 و2021 بحصوله على احدى وستين نقطة ، ولا زالت محاور الضعف الأساسية تتمثل في المشاركة العامة، التي حصل الأردن فيها على أربع نقاط فقط، والرقابة على الموازنة التي تحصلت على تسع وثلاثين نقطة، وهي محاور تكتسب أهمية استثنائية، خاصة ونحن على أبواب أول انتخابات تعتمد القوائم الحزبية وتمهد للسير قدماً في تعزيز وتعميق الإصلاح السياسي وصولاً الى الحكومات الحزبية البرامجية.
كما أنها تتقاطع مع اصلاح القطاع العام ورفع شفافيته وكفاءته وإخضاع المؤسسات للمساءلة المستندة الى تحقيق الغايات والأهداف الوطنية، وقد تضمن التقرير عدداً من التوصيات الكفيلة بالتعامل مع جوانب الضعف وصولاً الى تحقيق نتائج أفضل، وبما يعزز مسارات الإصلاح المختلفة.
أشارت تقارير دولية الى أهمية الشفافية ودورها المحوري في زيادة نسب النمو وتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الثقة بأداء السلطة التنفيذية، ويبدو هذا الأمر أشد الحاحاً في الوقت الراهن الذي تعاني فيه المنطقة من أزمات تؤثر على الاقتصاد الوطني وقطاعاته الحيوية، ومن حق المواطنين أن يكونوا على اطلاع حول إيرادات الحكومة ونفقاتها ومدى مساهمتها في رفع معيشة المواطن ودورها في تحفيز بيئة الاعمال وتوفير فرص العمل.
ومن المؤكد أن الشفافية التي تستجيب لمشاركة المواطنين تشكل قاعدة لتقييم الجهود المبذولة ومدى تحقيقها للوعود والالتزامات وكيفية مواجهة المصاعب والتحديات، كما أن شفافية الموازنة وما يرافقها من مشاركة ورقابة مجتمعية تساهم في تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين وتحسين أداء شبكة الأمان الاجتماعي وتوجيه الانفاق نحو الأولويات مع الحفاظ على استقرار المالية العامة ومساعدتها على مواجهة أعباء الدين العام وتقليص العجز، كما أن هذا يعمل على تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتوفير الشروط الملائمة لتنفيذ المشاريع الكبرى.
من المهم العمل على مواصلة الجهود وتعميق الإصلاحات التي تساهم في زيادة شفافية الموازنة وتحديد أولوياتها بما يتناسب مع مسيرة الإصلاح الشامل التي تغطي الجوانب السياسية والاقتصادية وأداء القطاع العام، فالشفافية والمشاركة المجتمعية والرقابة جوانب مهمة لتعزيز نقاط القوة ومواجهة التحديات وتأمين مسار نمو اقتصادي مستدام يتعامل بكفاءة مع الصعوبات المزمنة التي تعانيها المالية العامة بما فيها العجز وتراكم المديونية وارتفاع أعبائها التي تقلص الحيز المالي المتاح للإنفاق على المشاريع الرأسمالية والتنموية التي تولد فرص العمل وتنعكس ايجاباً على حياة المواطنين وجودة الخدمات المقدمة لهم، وضمان العمل على تنفيذ المهمات والمسؤوليات بكفاءة وفاعلية وقدرة ديناميكية على مواكبة المتغيرات والاستجابة لمتطلباتها في اطار من الشفافية والحوكمة الرشيدة والمساءلة التي تعزز الثقة وتبث الطمأنينة وتحفز بيئة الاعمال.