قد لا يختلف اثنان على أن العنصر البشري هو من أهم مقومات النجاح والازدهار في قطاعي العمل العام والخاص، وهذه حقيقة لا تحتاج إلى دليل، ومن المعلوم أيضاً أن الإنسان بطبيعته جسد يمثل الجانب المادي، وروح تمثل الجانب المعنوي، وعقل يمثل الجانب الفكري وأخيراً القلب وهو يمثل الجانب العاطفي والاجتماعي، ولكن هل تعلم ما الأثر الذي يتركه إهمال جانب من هذه الجوانب على أداء الموظف ومن ثم المؤسسة؟.
يقول الدكتور ستيفن كوفي مؤلف كتاب العادات السبع: « إذا أهملت أياً من الأجزاء الأربعة للإنسان المتكامل فإنك تحول الإنسان إلى شيء يفتقر إلى الحافز، عليك أن تدير الموظف لكي تحفزه»، ولكن ماذا يعني أن يفتقر الموظف إلى الحافز؟، هل يعني عدم العمل بكفاءة وفعالية مما ينعكس بالتالي على أداء المؤسسة، وهل يفسر ذلك تقهقر أداء بعض مؤسساتنا؟، أو يعني الإصابة بالإحباط مما يدفع الموظف للبحث عن مكان عمل آخر قد يجد فيه ذاته ويطلق طاقاته، أو هل يعني أن يميل إلى السلبية والتعامل في أضيق الحدود مع الوظيفة على أساس أنها مصدر رزق ومرتب آخر الشهر دون الانخراط الحقيقي في رؤية وأهداف المؤسسة أو التفاعل البناء لخدمة الوطن والمواطن؟.
لا أبالغ إذا قلت إن الإحساس بالظلم لدى الموظف هو أحد مفاتيح الفساد واستغلال الوظيفة العامة لتحقيق مآرب خاصة، وهذا لا يعني أن ظروف العمل الصحية كتلك الموجودة في المؤسسات الناجحة تضمن عدم وجود أناس فاسدين أواستغلاليين لأن البعض قد يعاني من فساد «جيني»، عافاكم الله، لا ينفك عنه في أي ظرف من الظروف حتى ولو كان نظام العمل محفزاً وعادلا ومراعياً للحقوق والواجبات، ولكننا نتحدث عن فرص الفساد في النظام الذي لا يتعامل مع الموظف كإنسان بأنها اكبر بكثير من تلك التي تتعامل معه كإنسان متكامل.
ويضيف ستيفن كوفي قائلاً «إن إدارة موظف ما بفعالية تتطلب معاملته كـ»إنسان متكامل»، والإدارة بفعالية تعني وجود نظام فعال أي نظام مناسب لرؤية وأهداف المؤسسة ومفعل في جميع أوجه نشاطاتها وليس حبيس الأدراج، كذلك يتطلب وجود مدير يمتلك بالإضافة إلى مهاراته الفنية مهارات إدارية ترتقي إلى متطلبات منصبه وتتناسب مع مسؤولياته ويملك القدرة والكفاءة لإدارة الموظفين، وذلك أن إدارة العنصر البشري بصورة فعالة ليس كإدارة مصنع أو آلة ما. وأكاد أجزم بأنه لو عمل استبيان في بعض مؤسسات الدولة عن أسباب إحباط الموظف ومحاولته البحث عن عمل آخر لنجد أنها لا تتعدى ثلاثة أسباب رئيسية وبترتيب الأولوية كالتالي:
1. الإحساس بالظلم وعدم المساواة بين الموظفين وغياب العدالة والنظام في تحديد المرتبات والبدلات والمكافآت.
2. عدم وضوح رؤية المؤسسة التي عادةً ما تكون غير مفعلة كأهداف وإجراءات.
3. شح التشجيع المعنوي لدى بعض المديرين وافتقاره للذكاء الاجتماعي في حين لا تجد أفصح منه عند إصدار الأوامر أو في حال توبيخ الموظف، وفي حين أن معاملات التحقيق والعقوبات الإدارية والخصم تسير بسرعة الضوء تجد معاملات حقوق الموظف وبدلاته وترقياته تتململ على ظهر سلحفاة البيروقراطية.
وفي المقابل فإنني أعرف تمام المعرفة مديرين استطاعوا بحسهم الإنساني وبعدهم الاجتماعي واحترامهم الصادق لموظفيهم أن يحتفظوا بهم رغم وجود بعض العقبات وأن يقودوا إداراتهم ومؤسساتهم إلى أداء افضل، فكل التقدير والاحترام لأولئك المديرين الذين استطاعوا أن يغرسوا الانتماء للوطن في موظفيهم بممارساتهم لا بتصريحاتهم الجوفاء.