في يوم الجمعة التاريخي صدر الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية ، وكان ذلك بنا ًء على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة ، حيث كان هذا مسنو ًدا بطلب من الأردن ومجموعة الدول العربية .
ويعد هذا القرار انتصاراً كبيراً للشعب الفلسطيني و إدانة للكيان الإسرائيلي واحتلاله وسياساته الإستيطانية والعنصرية والضم غير الشرعي للأراضي المحتلة بما فيها القدس الشريف ، وهو مكسب قانوني وسياسي تاريخي وكبير للقضية الفلسطينية وهزيمة قضائية مد ّوية لرواية ومزاعم الإحتلال الصهيوني في لحظة تاريخية وبعد عقود من الإحباط ، وفي وقت يواجه فيه الشعب الفلسطيني إبادة جماعية شرسة في قطاع غزة والضفة الغربية .
وهذا الرأي صادر عن المحكمة بموجب وظيفتها الإستشارية ، حيث لها وظيفتان : الأولى – قضائية ملزمة ، والثانية – استشارية ( افتائية ) غير ملزمة ، ونقول ان ما صدر اليوم هو رأي استشاري وليس قرار قضائي ، فالأخير فقط يحتوي عنصر الإلزام .
وقد يتساءل البعض عن الجدوى من هذا الرأي الذي لا يتضمن عنصر الإلزام ، وفي الأجابة عن ذلك نقول ان لهذا الرأي أهمية كبيرة من الناحية السياسية بالنسبة للقضية الفلسطينية ، وذلك ان المحكمة قررت في صلب قرارها ان اسرائيل كيان ينتهك قواعد القانون الدولي العام ولا يحترم الإتفاقيات الدولية كالإتفاقيات المتعلقة بحقوق الانسان مثل اتفاقية مكافحة التمييز لسنة 1965 ، كما لم تحترم اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 وخصوصا الإتفاقية الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين ، كما أكد الرأي للمجتمع الدولي على ان الكيان الإسرائيلي هو دولة محتلة ، وبذات الوقت أكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
وعلى صعيد آخر فإن لهذا الرأي أهمية قانونية لا تقل عن أهميته السياسية للأسباب التالية : أولا : أنه صادر عن أعلى هيئة قضائية دولية في العالم .
ثانيا : أن هذا الرأي يسند الى القانون الدولي العام ، القانون الدولي لحقوق الإنسان ، العرف الدولي ، وكذلك القانون الدولي الإنساني ، وبالتالي يجب على الدول احترامه .

ثالثا : يؤخذ هذا الرأي كمستند أو متكأ قانوني لأي دولة عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة ان تطلب استصدار قرار من الجمعية العامة متضمنا الرأي الإستشاري .
رابعا : إن الكيان الإسرائيلي دائما يدعي ويح ّمل مظلومية الهولوكوست للعالم ، بينما جاء هذا القرار ليقلب الطاولة عليه ويسقيه من نفس الكأس ، فأدانه بارتكاب جرائم دولية بذات الموضوع والمضمون .
اما أهم مضامين الرأي الإستشاري للمحكمة فهي :
أولا : أكد على عدم شرعية الإستيطان .
ثانيا : أكد على ان ما يقوم به الكيان الإسرائيلي مخالف لقواعد القانون الدولي العام واتفاقية مكافحة التمييز لسنة 1965 ، حيث انه شجع أو تغاضى عن أعمال المستعمرين ( المستوطنين ) .
ثالثا : أكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واستغلاله لثرواته الطبيعية .
رابعا : أكد على ان كل الأراضي التي يسيطر عليها الكيان منذ عام 1967 هي أراضي واقعة تحت الإحتلال ، وان كل ما يقوم به المحتل غير قانوني ويحمل صفة التأقيت وعدم الديمومة ، وان الكيان الإسرائيلي موجود بشكل غير شرعي في الأراضي الفلسطينية المحتله عام 1967 .
خامسا : ان ما يقوم به الإحتلال من جرائم بحق الشعب الفلسطيني وإبعاده عن أرضه يعد تهجيراً قسرياً وهذه جريمة من جرائم القانون الدولي العام ، وان المحكمة لا تعترف بأي تغيير ديموغرافي من اسرائيل في أي أرض منذ 1967 بما فيها القدس الشرقية .
سادسا : لعل هذه النقطة القانونية تعد من أهم ما جاء في رأي المحكمة حيث أكد على ان ما تقوم به اسرائيل من تشريع أو سن قوانين داخلية مخالفة للقانون الدولي العام لا يعتد بها مثل قانون مصادرة أملاك الغائبين وكذلك قوانين الضم .
وانه من بالغ الأهمية على صعيد القانون الدولي القول ان المحكمة أثبتت وبسطت ولايتها القانونية واختصاصها بالنظر في مثل هذا النوع من القضايا ، لان الكيان دائما كان يدعي بأن المحكمة لا تختص بمثل هذه القضايا وأنها تخرج عن ولايتها ، حيث أثبتت المحكمة ان هذه مسألة قانونية خالصة تفسر قواعد القانون الدولي العام والإتفاقيات الدولية .
وبنتيجة ما سبق نستطيع القول ان هذا الرأي من المحكمة أسقط فكرة معاداة السامية ع ّمن ينتقد اسرائيل ، لأن هذه الفكرة كانت الشماعة التي تعلق عليها دولة الكيان أي قرار ضدها ، حيث ان هذا القرار صادر عن أعلى هيئة قضائية دولية وعالمية بالقانون الدولي ، وبالتالي فإنه قبر فكرة السامية المضهدة وح ّولها لتصبح السامية الإرهابية ، إضافة الى سيحكم الحصار ويزيد من عزلة الكيان ومؤيديه وقادته ، خصوصا اذا أخذنا من جهة أخرى ان الكيان الإسرائيلي محاصر من قبل القضاء الدولي في القضية المرفوعة عليها أمام المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ، حيث أصدر المدعي العام للمحكمة – كريم خان – طلب استصدار مذكرات القاء القبض على رئيس وزراء الكيان ووزير دفاعيه .
إن هذا القرار يعد خطوة كبيرة و جوهرية في الاتجاه الصحيح لمحاسبة اسرائيل على جرائمه و وضع حد لعربدتها من قبل المجتمع الدولي على طريق تنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية ، خصوصا أن المحكمة طلبت من الأمم المتحدة و منظماتها و من جميع الدول احترام هذا القرار ، و من
جهة أخرى سيشكل هذا أداة ضاغطة على الرأي العام الشعبي العالمي ، و ما مظاهرات الجامعات الأمريكية و الغربية و شوارعها عنا ببعيد.
و في الأردن فإن المملكة كانت أول دولة تتخطى الحواجز و تكسر الحصار عن غزة برا و جواً و إرسال المستشفيات الميدانية و إمدادها بما يلزم ، و مشاركة جلالة الملك شخصياً و ولي عهده بهذه العمليات تجسيداً للإرث الهاشمي في مساندة الأشقاء الفلسطينيين ، كما أن جهود جلالة سيدنا الذي كان دوماً يحمل هذا الملف و يقدمه لدول العالم و قادته و يحذر من خطورته على الأمن و السلم الدوليين و خصوصاً منطقة الشرق الأوسط ببيان أسباب هذا النزاع و انعكاساته و خطورة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني .
كما كان الصوت الرسمي الأردني دائماً متقدماً على الصوت الشعبي ببيان أنه لن يكون هناك أمن و سلام دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه التاريخية و السياسية على أرضه و قيام دولته على ترابه