لم يكن يعلم العامل الفلسطيني فادي بني عودة 35 عاما، ما سيحل به بعد أحداث السابع من أكتوبر العام الماضي، بعد أن أغلقت " إسرائيل " المعابر بينها وبين الضفة الغربية وأوقفت تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين وطردت عمال قطاع غزة العاملين لديها إلى الضفة الغربية.
كانت حياة بني عودة تسير بوتيرة منتظمة قبل إغلاق المعابر، يتوجه إلى عمله في أحد المصانع الإسرائيلية في " إسرائيل"، أما اليوم يجلس في منزله يحدق في جدران غرفته، يفكر في مستقبل مجهول، قائلا إنه كان يتوقع أن يستمر المنع لمدة أسبوعين أو شهر إلى حين انتهاء الحرب على غزة، ولكن الحرب لم تضع أوزارها بعد.
منذ ذلك اليوم، يعيش بني عودة في حالة من الارتباك والخوف والتذمر من الواقع الفلسطيني المحلي، حيث أصبح عاطلا عن العمل ولا يستطيع تلبية احتياجات أسرته، فهو تراه باحثا عن العمل وتراه حينا متمسكاً بالأمل بالعودة إلى العمل في السوق الإسرائيلية.
وحاله كحال العامل مراد عماد 50 عاما والذي كان يعمل في السوق الإسرائيلية ملتزما بسداد شيكات مالية لشراء شقة في نابلس، وهو ما أثر سلبا على التزاماته المالية المختلفة، وأصبح لديه دين متراكم منذ بدء إغلاق المعابر، مما أثر ماديا حتى على السوق الفلسطينية، وتسببت في انعدام حالة الشراء بشكل عام.
فادي وعماد، من بين 200 ألف عامل فلسطيني فقدوا وظائفهم ودخلهم الثابت بسبب إغلاق المعابر، مما أدى إلى صعوبة تلبية احتياجاتهم الأساسية، ووفقا للأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين شاهر سعد، كان هؤلاء العمال يحصلون على تصاريح عمل منتظمة أو متنوعة، وكانت الأجور اليومية حسب البنك المركزي الإسرائيلي تتراوح بين 50 إلى 55 مليون شيقل يوميا، وهو الأمر الذي أدى الى تراجع الانفاق وانخفاض الحركة التجارية في الاقتصاد الفلسطيني.
وأشار سعد إلى أن العمال، حتى لو كانت لديهم مدخرات، فقد استنفذوها خلال الأشهر العشرة للأزمة، مبينا ً أن دخل العمال في السلطة الفلسطينية والقطاع الخاص يقدر بحوالي 800 مليون شيكل شهريا، بينما دخل العمال في السوق الإسرائيلية يصل إلى مليار و350 مليون شيقل.
واستنادا الى الأرقام، فإن الخسائر فادحة، إذ انخفض الدخل القومي في الوقت الحالي، مؤكدا بأن 90 % من العمال لم يستفيدوا من أي برامج مساعدة وبعضهم حاول العودة إلى العمل في السوق الإسرائيلية دون تصاريح عمل وتحت مسمى تصاريح استثنائية.
ويعلق الخبير الاقتصادي والمحاضر في جامعة النجاح الوطنية، الدكتور نائل موسى، انه لا توجد تقديرات ثابتة للخسائر الاقتصادية التي تكبدها السوق الفلسطيني، والخسارة تكمن ليست في توقف العمال بل بتأثر قطاعات مختلفة، العمال كانوا يخلقون حركة اقتصادية كبيرة وكانت عملة " الشيكل" تمر بأكثر من دورة اقتصادية وتساهم في تحريك الاقتصاد وقد تزامنت مع ظل الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية نتيجة قرصنة عوائد الضريبة الفلسطينية (المقاصة) من قبل " إسرائيل".
ويقول موسى، لا يمكن معالجة النزيف الاقتصادي الا إذا توقف الجرح، الظروف الحالية لا تسمح ببناء سياسات اقتصادية الا بتوقف الجرح، مشيرا إلى أن الأيام المقبلة ستفرز النمط الاقتصادي المستقبلي لأنه مرتبط بالنمط السياسي بعد انتهاء الحرب.
ووفقا لبيانات وتحليلات منظمة العمل الدولية والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تسببت الحرب في قطاع غزة بدمار غير مسبوق بسوق العمل والاقتصاد الفلسطيني بشكل عام، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 83.5 % في قطاع غزة و22.7 % في الضفة الغربية خلال الأشهر الثمانية الماضية، مما أدى إلى تقلص الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في فلسطين بأكملها بمعدل 32.8 %.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، وفقا لمنظمة العمل الدولية، بلغت نسبة البطالة في الضفة الغربية 32 % وفي قطاع غزة 79.1 %، مما يرفع متوسط معدل البطالة إلى 50.8 % في فلسطين. ومع ذلك، لا تأخذ هذه الأرقام في الحسبان ممن تركوا القوى العاملة بسبب نقص فرص العمل مما يعني أن العدد الفعلي للعاطلين عن العمل أعلى مما تشير إليه أرقام البطالة.