رعى وزير الاتصال الحكومي الدكتور مهند مبيضين، صباح اليوم الاثنين، المؤتمر الذي نظمه المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن، تحت عنوان "الذكاء الاصطناعي من أجل السلام وكرامة الإنسان"، بالتعاون مع مؤسّسة الأنشطة التربويّة في أوروبا، ومقرها في هولندا.
وفي جلسة الإفتتاح التي تولت عرافتها الإعلاميّة آلاء المجالي، لفت راعي الحفل في كلمته إلى أنّ الذكاء الاصطناعي يُعدّ سلاحًا معرفيًّا مهمًا في توليد المعلومات وفي تسهيل حصول الباحثين على بيانات تساعدهم في خدمة مجتمعاتهم، وفي إيجاد أبحاث تسهم في تعزيز حقوق الإنسان وتنمية المجتمعات، إلا أنّه يُعدّ أيضًا تحديًّا لقطاعات المجتمع، مشدّدًا على أهميّة أن يكون هنالك توازن بين المعرفة والتقدّم وبين القيم الأخلاقيّة، بما يهدف لخدمة المجتمع وتقدّمه في مختلف المجالات، وهنا يبرز الدور الكبير للمؤسّسات التعليميّة والتربويّة، من مدارس وجامعات، وقدرتها على مواكبة التحديث والتطوير.
وتوجه مبيضين بالشكر للمركز الكاثوليكي على دوره المهمّ والناجز والممنهج في تعزيز ثقافة الحوار بين الأديان، وفي تشجيع السياحة الدينيّة إلى الأردن، وفي عقد مؤتمرات تبحث عن إجابات لتحديات فكريّة وأخلاقيّة كبيرة. وقال: نعتزّ في الأردن بالأخوّة التي تجمع المسلمين والمسيحيين، في بلد تأسّس على الاحترام والتآخي والوئام، وهي أسس صاغها الهاشميون بداية من الشريف الحسين بن علي، وصولًا إلى جلالة الملك عبدالله الثاني حيث يعتبر جلالته الدفاع عن حقوق المسلمين والمسيحيين في القدس واجبا وإرثا هاشميا.
وأوضح بأنّ جلالته لطالما يؤكد في كل محفل عربي أو دولي على ضرورة إيجاد حلّ عادل للقضيّة الفلسطينية على أساس حل الدولتين، بما يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقيّة. ووجّه معاليه رسالة دعم لصمود أهل غزة الذين يتعرّضون لحرب مستعرة من الاحتلال الإسرائيلي، مشدّدًا على ضرورة أن يكون للإعلام الغربي دور أكبر في تسليط الضوء على مجازر الاحتلال في غزة، والتي لا تحتاج لذكاء اصطناعي لإظهارها.
من جهته، حيّا مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام الأب د. رفعت بدر الجهود الأردنيّة التي تبذل بذكاء هاشمي أردني في مختلف المجالات، لاسيمّا على الصعيد التكنولوجي. وقال: نتأمل في سنة الاحتفال باليوبيل الفضي لجلوس جلالة الملك عبدالله الثاني، بالجهود الكبيرة التي بُذلت على مدار 25 عامًا، في إدخال التطوّرات التكنولوجية لجميع المؤسّسات الحكوميّة والتربويّة والبيوت على امتداد الوطن، ليسير الأردن بذلك على خطى ثابتة وواثقة ورياديّة في استخدام التقنيات الحديثة من أجل الخير العام، بعدما صدّر للعالم مبادرات إنسانيّة وحواريّة ساميّة، قائمة على الألفة والذكاء الطبيعي.
وأوضح الأب بدر بأنّ اختيار عنوان هذا المؤتمر قد برز بسبب التأثير المتزايد للذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، لاسيمّا مع ما يشهده قطاع غزة المنكوب من حرب شرسة لأزيد من عشرة أشهر، ويتمّ فيها استخدام التقنيات الحديثة للقتل والتهجير، في ضرب لكافة التعاليم الدينيّة والقيم الأخلاقيّة والمواثيق الدوليّة والنداءات الأمميّة. وقال الأب بدر: أردنا أن يحمل هذا المؤتمر تيارًا إنسانيًّا مذكًرًا بدور التكنولوجيا ورسالتها في صنع السلام وصون كرامة الإنسان، وبأنّنا لا نريد لهذه الوسائل الحديثة أن تكون في أيدي الشرّ وأيدي العنف، وفي أيدي القتل والإساءة للإنسان، مشدّدًا على أنّ الذكاء الحقيقي يجب أن يخدم الناس.
وتطرّق الأب بدر في كلمته إلى حدث تاريخي تمثّل في مشاركة البابا فرنسيس، هي الأولى لحبر أعظم، في مجموعة قمة السبع، في حزيران الماضي، حيث وجه قداسته نداءً هامًّا إلى قادة الدول، وحثّهم على التركيز على احترام كرامة الإنسان عند تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي، كما حذر من مخاطر تحويل العلاقات الإنسانيّة إلى مجرد خوارزميات، بسبب هذه التكنولوجيا. وأشار الأب بدر إلى الجهود التي تبذل في هذا السياق، لاسيما "نداء روما" لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وهو مبادرة عالميّة أطلقته الأكاديمية البابوية للحياة في الفاتيكان، مع شركات تكنولوجيّة عالميّة، وانضم إليها منذ إطلاقها هيئات أمميّة ومنظمات دوليّة ومؤسّسات دينيّة والعديد من المراكز البحثيّة والجامعات، وقد أقرّ هذا النداء ستة مبادئ أخلاقيّة للذكاء الاصطناعي، هي: الشفافيّة والقابلة للتفسير، الشموليّة، المسؤوليّة، الحياد، الموثوقيّة، الأمن والخصوصيّة.
وألقى ضيف الشرف في المؤتمر، الفارس في جمعيّة "القبر المقّدس" الكاثوليكيّة الخيريّة، السيّد مجدي بدر، القادم من مدينة شيكاغو الأميركيّة، كلمة أعرب فيها عن فخره للتعاون القائم بينه والجماعة الكاثوليكيّة العربيّة في شيكاغو وبين المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام والذي أصبح علامة فارقة في المجتمع الأردني منذ تأسيسه قبل 12 عامًا، وهو اليوم يتمتّع بعلاقات طيّبة مع كلّ الدوائر الرسميّة والأهليّة، في تعاونٍ وتعاضد يهدف لإبراز كلّ ما هو إيجابي ومشرق وجميل في وطننا العزيز.
وأشار إلى أنّه وخلال زيارته الحاليّة، تمكّن من زيارة العديد من المواقع الدينيّة والسياحيّة والأثرية، مقدمًا الشكر لكل الوزارات المعنيّة، ولكلّ من يعمل من أجل أن يكون الأردن العزيز بأجمل صورة، ليس فقط للزوار والسيّاح العابرين، وإنّما للحجاج الذين يأتون إليه من كل صوب، ويقصدون أن يعيشوا خبرة روحيّة مميّزة في الأردن – الأرض المقدّسة.
وعرض المركز الكاثوليكي فيلما وثائقيا، بين فيه المخاطر التي قد يقع فيها الذكاء الاصطناعي ويصبح هادما وليس خادما للكرامة الانسانية، مركزا على استخداماته في الحرب على غزة حيث يقتل الناس بوسائل هدامة وقاتلة.
وعقدت خلال المؤتمر جلستان، حملت الجلسة الأولى عنوان "كيف وصلنا إلى الذكاء الاصطناعي؟"، وأدارتها الدكتورة ربى زيدان، وتحدّث بها كلّ من الأستاذ الدكتور مارك فريس، القادم من هولندا، حول "الذكاء الاصطناعي: منظور مسيحيّ لطبيعته وأخلاقه"، والسيّد حسام الحوراني من شركة اورانج حول "التطوّرات المذهلة في الذكاء الإصطناعي"، والسيّدة لما عربيات من وزارة الاقتصاد الرقمي حول "الميثاق الوطني لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي".
أما الجلسة الثانيّة فجاءت تحت عنوان "الذكاء الاصطناعي والسلام"، وأدارتها المختصة في ريادة الأعمال الآنسة عرين بشارات، وتحدّث بها كلّ من الدكتور بول هيك الامريكي والمدرس حاليا في الجامعة الاردنية، والذي قدّم "قراءة في رسائل البابا فرنسيس للسلام والإعلام، وفي قمة السبعة الكبار"، والباحث في الشؤون السياسيّة الدكتور جمال الشلبي حول "السلام الممكن والسلام المنشود والذكاء الاصطناعي"، والإعلاميّة آلاء بشناق من المعهد الاعلامي الاردني حول "التربيّة الإعلاميّة فيما يخصّ الأخبار الزائفة باستخدام الذكاء الاصطناعي".
وتخلّلت جلسات المؤتمر الذي شارك به السفير البابوي المطران جيوفاني دال توزو، وعدد من ممثلي المؤسّسات والدوائر الدينيّة المسيحيّة والإسلاميّة، وإعلاميون وصحافيون، ومختصون في التكنولوجيا، وطلاب وطالبات من الجامعة الأميركيّة في مادبا وجامعة اليرموك وجامعة الطفيلة التقنيّة، على مساحات من النقاش البنّاء والمثمر بين المحاضرين والمشاركين.
وفي نهاية المؤتمر، أوصى المشاركون بضرورة إطلاق شرعة أخلاقيّة مجتمعيّة تعمل على تعزيز الالتزام بالقيم الإنسانيّة المشتركة، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، لأنّ سرعة تحولات العصر الرقميّ تبرز معها تحديات جديدة على الأخلاقيات الفرديّة والجماعيّة. كما أكد المشاركون على ضرورة وضع الإنسان وكرامته في محور التطورّات التقنيّة، فلا يكون الذكاء الاصطناعي وأدواته في خدمة الأهداف السياسيّة أو الربحيّة الاقتصاديّة، كما تمّ التأكيد على أهميّة تكثيف الجهود التربويّة والإعلاميّة التوعويّة، أفرادًا ومؤسّسات، فيما يخص تربيّة الأجيال الصاعدة وتنشئتهم على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لخدمة الخير والجمال والطيبة.
كما وجّه المشاركون في المؤتمر بطاقة تحيّة واعتزاز إلى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم بمناسبة اليوبيل الفضي لجلوس جلالته على العرش، وإشادة بمرور ثلاثين عامًا على إعلان العلاقات الدبلوماسيّة الرسميّة بين المملكة وحاضرة الفاتيكان، وهي علاقات قائمة على الصداقة والمودّة وتعزيز القيم الإنسانيّة النبيلة في العالم. كما تقدموا من صاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، والأميرة رجوة الحسين، بالتهنئة والتبريك بمناسبة قدوم الأميرة إيمان بنت الحسين، سائلين الله العليّ القدير وأن ينعم عليها بالصحة والعافية، وأن يحفظها بعين رعايته في كنف والديها والأسرة الهاشميّة.