لكنّ هؤلاء لا يَرَون فينا إلاّ نمُوذجًا بشريّا واحدا، وكأنّنا كُلّنا نُسخَة طبقَ الأصل ومكربنة..
وليس كلّ واحدٍ منّا نسخةً من الآخر..
لا نُفكّرٌ جميعُنا بطريقةٍ واحدة..
ولا نعقلُ بطريقةٍ واحدة..
وفي عُقولنا مَعلوماتٌ قد تكونُ واحدة.. ولكنّ التحليلاتِ والآراء تختَلف.. ليست على نمَطٍ واحد..
والحزبُ هو يُصدٍرُ ما تُشحَنُ به أدمِغتُنا..
إنهُم لا يَريدُوننا أن نكُون مُتنوّعين.. مُتعدّدين..
يَريدُوننا أن نكُون رُوبُوتاتٍ تُردّدُ ما يقُولون..
ومَن فينا، له شخصيةٌ مُستَقلّة، ورأيٌ مُستقِل، وفكرٌ يتّسمُ بسُلطةِ القَرار، هذا يُساءُ فَهمُهُ والنّظَرُ إليه..
هُم لا يَقبَلون إلا عقليةَ القطيع..
وهذه تعنِي التّبَعيّة.. أن نكُونَ تابعينَ غيرَ مَتبُوعِين..
وعلى هذا المِنوال تُقامُ التّربيةُ والتّعليم..
ومنَ الأسرةِ تَترسّخُ التّبَعيةُ في الناشِئة: تطبِيقُ ما يقُولُه الأبُ والأمّ، وبعدَهُما المُجتَمعُ والمَدرَسة..
الكلّ يَشحَنُ الأطفالَ بأن يكُونَ التقليدُ هو المِنهاجُ المُشترَك.. بلا نقاشٍ ولا فِكرٍ ناقٍد..
وهكذا تَنشأ أجيالٌ تُردّدُ كالبَبغاءِ ما يُقال..
ببغاواتٌ تُعِيدُ ما تَلَقّنَت، ولا تَعقِل، ولا تُغَربِل..
ولا تُبدِي رأيًا مُختَلِفا، ولو كان رأيًا سديدًا: والبَبغاواتُ بهذا الضغطِ والفكرِ الأُحادي، تَنحَرِفُ بالمُجتَمع، حتى لا يرَى الناسَ إلاّ بصُورةٍ نَمَطيّة..
ويتعاملُ مع العالَم وكأنه كيانٌ واحد، وعقليةٌ واحدة، ولا يفعلُ إلاّ ما يُقالُ له..