حاولت تَصنيف زملائي إِلى فِئات ذهنيّة حسب تحليل لابتِساماتهم ، من منهم يُحِبّ مهنته ومَن منهم رُغِم عَليها ومَن منهم يعتبرها مَحطّة للعُبور لِمِهنَة أُخرى ..
وأَثناء ذلك جاء صَديقي فِنجان القَهوَة وَنَظرتُ إِليه وأَنا أجزِم أَنّ ابتِسامَته مِنَ القَلب وأَنّه يُحبّ عمله ..
كَم يَجتمع أَشخاص وفي ذهن كُلّ منهم فِكرَة تَختَلِف تَماماً عَن الآخر "تَحسبهم جَميعًا وهُم شَتّى" ، فاهتِمام كُل شَخص قَد يَختَلِف تَماماً عَن اهتِمام الآخر فَعندَ النَّظر للَوحَة ما وسُؤال أَشخاص عَن أَكثَر ما أَعجبهم بِها سَتَسمع إِجابات مُختَلِفَة جِدًّا لِأَنّ كُل شَخص يَرى مِن زاويته الخاصَّة ومِن خَلفيّته الثَّقافِيَّة لِذا سَتَسمَع لِإِجابات مُختَلِفَة جِدًّا فَعيني التي أَرى فيها هِيَ لَيسَت نَفس عينك لِذا لا تُحاوِل أَن تُخضِع الآخرين لِوجهة نَظَرِك ولِرُؤيتِك لِأَنّ كُلّ شَخص لَه ما يُميّزه وما يَجعله يَختَلِف عَنك لِذا وُجِبَ عَلَيكَ أَن تَقتَنِع أَنّك لَستَ دائِماً عَلى صَواب وليسَ مِن الضَّروري أَن يُعجَب الآخر بِما تَقول أَو بِما تُقَدِّم!
فَهُنا عاشِقان التقيا حيث تَتَلاطَم أَمواج البَحر بصوتها الذي يسمعه العاشِق موسيقى ويسمعه الحَزين بُكاءً ويسمعه الخائِف أَصوات استِغاثَة .. عاشِقان اعتادا عَلى شُربِ القَهوَة في هذا المَكان .. هذا المَكان الذي شَهِد عَلى قصّة حُبّهما بِتَفاصيلها وذِكرياتها ولكنّهما اجتَمَعا اليَوم لَيسَ لِإِكمال قِصَّة الحُب بَل لإِنهائِها ! فآثر هذان العاشِقان أَن تَنتَهي قِصَّة الحُبّ مِن المَكان الذي بَدَأَت فيه ..
ولكنّ هو فراق أَم لقاء! لا تَدري وأَنتَ تَنظُر إِلى عيونهم عَن هذه اللّهفَة المَوجودَة ، هذا الحُبّ وهذا الشّجون الذي يظهر واضِحًا في نَظرة كُلّ مِنهما الآخر..
وكَيف تختلس هي النَّظر له أَثناء شربه لِفنجان القَهوَة ، كيف ترتوي مِن النّظر إِلى عينيه وكَيفَ تَقرأ ما فيهما مِن حُبّ وعشق وهيام لا تلبث أَن تَهرُب بِنَظرها نَحو أَمواج البَحر التي تُذكّرها بِه أَيضاً..
وهُو كانَ يَتشاغل بِشُربِ فِنجان القَهوَة ويَختَلِس النَّظَر لَها مِن زاوِيَة أُخرى كَيفَ لا وهُوَ مَن لَم يشعر بِطَعمِ الحَياة إِلّا معها كَيفَ لا وهُوَ لا يَشرَب القَهوَة إِلّا مَعها ، وهُوَ أَصلاً لا يُحِبّ القَهوة ولكنّ يشربها فَقَط لِأجلِها.. وعُدتُ للتَفكير بالابتِسامَة فأَيّ ابتِسامَة تَرتَسِم عَلى وجهِ هذا العاشِق الذي منعته الظّروف مِن إِكمال قِصّة حُبّه التي قَد يفقد قلبه تَبعاً لها .. هِيَ ابتِسامَة مَرسومَة تُخفي ورائها سيلٌ مِنَ الدّموع .. ووجع القَلب ... فَكَم نَبتَسِم مُرغمين كابتِسامَة أُمّ الشّهيد تَبتَسِم فَرِحَة لِأَنّها تعلم مَصير ولدها وَهُوَ الجَنّة .. ولكنّ هُناك غَصّة بالقَلب لِفراقه .. وصُعوبَة الأَيّام بِدونه .. ابتِسامَة تُخفي خلفها ذلك الحُزن القاتِل ..