بقلم:الدكتورة رانيا الكيلاني أستاذ علم الاجتماع الثقافي بكلية الآداب جامعة طنطا
تنظيم النسل من باب الأخذ بالأسباب، الإنجاب حق وواجب فى الوقت نفسه؛ فهو حق للزوجين، وواجب على المستوى العام لأنه مطلب وجُودِيٌّ لاستمرار بقاء النوع الإنسانى الذى لا يبقى إلا عن طريق التناسل المنضبط. إلا أن تنظيم النسل يساهم بشكل قطعي في تعليم افضل حياة اقتصادية وصحية واجتماعيه افضل لان تنظيم النسل يساهم بشكل مباشر علي الصحة الانجابية والنواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية ويوفر حياة كريمة لافراد الاسرة وصحة جيدة
ومن لا مانع شرعا من تنظيم النسل أيا كان السبب، سواء لحاجة أو لأمر ضرورى أو تحسيني، فهذا السبب لا يمنع ولا يتعارض أبدًا مع قضاء الله وقدره؛ فالرزق مكفول لكل إنسان، لكن عليه أن يسعى فى تحصيله، وأن يبذل كل وجه متقن يتوافق مع الحياة والواقع، ثم يتوكل بعد ذلك على الله عز وجل، وخاصه تنظيم النسل يعد من باب سعى الإنسان إلى أن يجعل أولاده فى حالة جيدة صحيا وبدنيا وتعليميا واجتماعيا.
و هناك اتساقًا بين جميع النصوص الشرعية التى تدعو لرخاء الإنسان وتحقيق استقراره، وأنها لا تتعارض مع التوازن بين عدد السكان وتحقيق التنمية؛ وذلك حتى لا تؤدى كثرة السكان إلى الفقر، أن تنظيم النسل بسبب الخوف من حصول المشقة والحرج بكثرة الأولاد والتكاليف ليس منهيًا عنه شرعًا؛ لأنه من باب النظر فى العواقب والأخذ بالأسباب.
التماس الزوجين وسيلة من الوسائل المشروعة لتنظيم عملية الإنجاب بصورة تناسب ظروفهما لا ينطبق على التحذير من قتل الأولاد خشية الإملاق؛ لأنهم لم يتكونوا بعد، كما أن الإسلام يدعو للغنى لا الفقر، وللارتقاء بالمجتمع والأسرة، منبها إلى خطورة الاعتقاد بضرورة التكاثر من غير إعداد، وأن ذلك داخل فى الكثرة السكانية غير المطلوبة التى هى كغثاء السيل، كما جاء فى النصوص الشرعية.
االوضع المعاصر قد تغير؛ لأن الدولة أصبحت مسئولة عن توفير الكثير من المهام والخدمات، ولو تُرك الأمر دون تنظيم تصبح الدول فى حرج شديد؛ لذا فتنظيم النسل لا يتعارض مع روح الشريعة التى تؤيد تغيُّر الفتوى بتغير الزمان والمكان تحقيقًا لمقاصد الشريعة.
وعليه لا مانع من اتِّخاذ الدولة ما تراه من وسائل وتدابير لتنظيم عملية النسل، وترغيب الناس فيه؛ فهو ليس منعا للإنجاب، إذ المحظور المنع المطلق، وهذا ليس منه، وإنما هو طلب الدول الحياةَ الكريمة لشعوبها، حرصا منها على الموازنة بين المواردِ وعدد السكان الذين ينتفعون بها، إذ يطالبون الحكومات بتقديم الخدمات اللازمة لهم فى أمور المعيشة المختلفة.
وخاصه تنظيم النسل يجعل الأبوين والدولة والمجتمع أكثر قدرة على رعاية النشء رعاية متكاملة دون إرهاق أو حرج
العبرة فى قضية السكان بالكيف لا بالكم؛ إذ يرجع الشرع الحنيف اختيار الحكم فيها إلى تقدير الزوجين وولاة الأمر والجهات المختصة، خاصة أن تلك الجهات هى المنوطة بدراسة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والقضايا السكانية للدولة، ورسم خططها التنموية والمستقبلية فى كل الاتجاهات بناء على ما تقرره الإحصاءات والأبحاث المتخصصة. والأمر هكذا، يطالب بتنظيم حملات توعية وتصحيح للمفاهيم، حول تنظيم الأسرة، من خلال برامج إعلامية مختلفة، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعى، إلى جانب دور العلماء،والمتخصصين فى مختلف المجالات، والمؤسسات المعنية بهذا الشأن، حتى يصبح تنظيم النسل ثقافة يحيا بها الجميع. ويختم حديثه بالقول: على كل أب وأم ألا يدخرا وسعا فى تنظيم النسل لتربية الأبناء تربية جيدة حتى يكونوا لبنة نافعة فى صرح الوطن وكيان المجتمع، ناصحا المهتمين بهذا الأمر باتخاذ الوسائل التشجيعية الكفيلة بنجاح التوعية، وضمان الإقبال وقوة التأثير، خاصة فى الأوساط والطبقات الحريصة على كثرة النسل، دون مراعاة لضرورة تأهيله، وفى ذلك خروج من «الأمة الغثائية» إلى «الأمة القوية»، وفق تعبيره.