بفلم:الدكتورة رانيا الكيلاني أستاذ علم الاجتماع الثقافي بكلية الآداب جامعة طنطا
لا يتوقف العنف داخل الأسرة الواحدة على ممارسات عدوانية بعينها، بل يشمل عنف أى فرد من الأسرة بحق فرد آخر، كعنف الوالدين تجاه الأبناء، والعكس، وعنف أحد الزوجين تجاه الآخر، وعنف الإخوة بعضهم تجاه بعض، متسعا ليشمل العنف العاطفى واللفظى والنفسى والاقتصادي.
ولذلك يجب الرفق بالأبناء، وخفض الجانب وحفظ العشرة بين الزوجين، واللين وحسن الخلق بين الأقرباء، مع نبذ التباغض والحقد والانتقام، والالتزام بأدب الحوار، ليحل الدفء والحب والاستقرار الأسرى فى المجتمع، وتتجنب الأسرة مخاطر التنشئة الخاطئة، وغياب الوعى ، وعدم الاكتراث بالاضطرابات النفسية، مما يبعد شبح العنف عنها، ويحقق السلم المجتمعى.
نعيش عصرا يغلب عليه اللهث وراء المال، بصفته عصب الحياة، ووسيلة إشباع الحاجات، ومن ثم تولدت طباع وأخلاق غريبة عن المجتمع، من شيوع نزعة الأنانية المفرطة، والسلبية المبالغ فيها، بل التوحش لدى البعض، حتى وجدنا من يتخلص من أولاده وزوجته، أو من تتخلص من أولادها وزوجها، ليسود العنف فى علاقات كثير من الناس مع غيرهم، وارتكاب أبشع الجرائم لنيل أمر تافه.
ويرفض تعلل البعض بضيق ذات يده، وقلة ما عنده لإشباع حاجات أسرته الضرورية، وهذه العلة وأضرابها ما هى إلا نتيجة عدم الإيمان بالله تعالى، وانحسار القيم الإسلامية بل الإنسانية من نفوس الكثيرين، حتى صار البعض يعد القناعة والرضا بما رزق الله، عجزا، ليحل محل ذلك القنوط من رحمته سبحانه.
ما يتعلل به البعض فى زماننا من من مال، فإنما هو نتيجة طبيعية لعدم كمال إيمانه، باعتبار أن الإيمان بالقدر شعبة من شعب الإيمان بالله، ولا يكمل إيمان المرء إلا إذا آمن بما رزق أو ابتلى به، فلا يجعلن أحد قنوطه من رحمة الله تعالى سببا للتخلص من أسرته، فإن القانط ضال آثم، قال تعالى: (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ).
؛ فرزق بعض الآباء أبناء عاقين أذاقوهم من الهوان ألوانا، وابتلى بعض الزوجات بأزواج ضلّت المودة والرحمة طريقهما إلى قلوبهم، وجعل من نصيب بعض الأبناء آباء لم يعرف الحب والحنان السبيل إلى ثنايا أرواحهم، وأراد بهم أن يجرعوا كأس المرارة فى الدنيا حتى ثمالتها، ولعل هذا الابتلاء يكون سببا فى تكفير سيئاتهم، والفوز بجنات النعيم.
ويرجع العنف الأسرى إلى العديد من الأسباب، من أهمها: عدم تطبيق تعاليم الإسلام السمحة التى نجدها فى مثل قوله تعالى فى الإحسان إلى الوالدين: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا»، وقوله تعالى فى الرفق بالأبناء: «وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ»، وقوله تعالى فى الحض على اللين وخفض الجانب: «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»، كما وجه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى أن حسن الخلق سبب فى البعد عن النار، ففى الحديث: «حرم على النار كل هين لين قريب من الناس».
تجنب العنف والجرائم الأسرية لا يكون إلا بامتثال منهج الإسلام الذى يبدأ بتدبر معنى الزواج وغايته، فمعناه السكن والرحمة، وغايته العفة والحفاظ على الجنس البشري، قال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»، وفى الحديث يقول رسول الله صلى الله وعليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى». ويشدد الأزهرى على أهمية أن تقوم المؤسسات الدينية بترسيخ هذه المفاهيم من خلال التوعية الدينية فى المدارس والجامعات، والمساجد، والكنائس، والمؤسسات الحكومية، والخاصة، ونشر ثقافة التربية الصحيحة.
تعاطى المخدرات والكحوليات، وما يصاحبها من علل نفسية وصحية؛ سببا رئيسا لغياب العقل والإدراك فى أثناء المناقشات الأسرية مما يؤدى إلى تقديم العنف والقتل على غيرهما من سبل التفاهم والنقاش، مشددا على ضرورة التصدى للمخدرات بجميع أنواعها، والضرب بيد من حديد على عمليتى تعاطيها وترويجها.
و لاندثار القيم والجهل بالحقوق والواجبات دور أساسى فى غياب التفاهم وشيوع العنف والجريمة بين بعض فئات المجتمع، بالإضافة إلى التنشئة الأسرية غير السليمة، وترك الأطفال فريسة لاعتناق أفكار العنف.