قرأت قصة عن صديقين كانا في رحلة برية. في إحدى المواقف، تعصّب الصديق الأول وصفع صديقه الثاني. كظم الصديق الثاني غيظه وذهب إلى الرمال ليكتب: "صديقي تسرّع وصفعني على وجهي، وقلبي يتفطّر ألماً لما فعله، لكنني سأكمل الرحلة معه." وفعلاً، أكملا المسير معاً.
خلال الرحلة، تعثّر الصديق الثاني وكاد أن يسقط من الجبل وتنتهي حياته، ولكن الصديق الأول هبّ لنجدته وأنقذه. جلس بجواره ليهدّئ من روعه حتى استعاد قوته، وقبل أن يكملا المسير، نحت الصديق الثاني على الجبل كتابة: "صديقي أنقذ حياتي" مع التاريخ.
تعجب الصديق الأول وسأله: "لماذا كتبت عندما صفعتك على الرمال، وعندما أنقذتك نقشت على الصخر؟" تبسم الصديق الثاني وقال: "أنت صديق عمري. عندما تسرّعت وصفعتني، كان بإمكاني ردّ الصفعة، لكنني تذكرت أيامنا الجميلة ولم أرد أن أنهي الودّ بيننا. وفي المرة الثانية عندما أنقذت حياتي، حفرت موقفك على الصخر لأعيش عمري كله أتذكر معروفك ولا أنساه."
هذه هي بنود الصداقة الحقيقية. في البداية، نختار الصديق بعناية، ثم نتقبّل أصدقائنا بكل صفاتهم، ونستمر معهم مهما بدر منهم. علينا أن نغفر زلاتهم، خاصة عندما يقدّمون مواقف صادقة وداعمة، وألا نضحي بالصداقة مع أول موقف سلبي. يجب أن نلتمس الأعذار لأصدقائنا، ونكون لهم مرآة تعكس عيوبهم، ونحتفظ في ذاكرتنا بكل خير قدّموه لنا. الصداقة الحقيقية ليست مجرّد صحبة عابرة، بل هي توافق بين شخصيتين لتحمّل صعاب الحياة.
إذا خسرت الصديق تلو الآخر لكل هفوة أو خطأ، فستجد نفسك تعيش وحيداً بلا أصدقاء. لذلك، عليك أن تدقّق في اختيار الصديق، ثم تتمسّك به وتحرص على المحافظة على أواصر الصداقة. في عصرنا الحالي، أصبحت الصداقة عملة نادرة. وفقكم الله جميعاً في العثور على الصديق الصدوق. علماً أن الصديق الحق قد يكون أخوك، أو أحد والديك، أو زوجتك، أو زميلك، أو جارك، أو حتى ابنك. المهم أن تجد نفسك من خلاله، وأول شخص تذكره وتحتاجه في أي موقف في حياتك، سواء كان سعيداً أو غير ذلك. وإن وجدته، لا تضيّعه. ولا عجب أن جعل الله الصديقين اللذين تحابا في الله من ضمن السبعة الذين يظلّهم الله يوم لا ظل إلا ظله.