قصة من البترا، هكذا تتبعثر أفكار وطموح شبابنا لقلة من يهتم بها في المحافظات
كتب أ.د. محمد الفرجات
تُعتبر البترا، إحدى عجائب الدنيا السبع، رمزًا للتراث الإنساني وتاريخ الحضارة النبطية. لكن مع تزايد أعداد الزوار، تواجه هذه المدينة التاريخية تحديات بيئية تهدد معالمها وصخورها الرملية الهشة. إن الحفاظ على هذا الإرث الثقافي يتطلب أفكارًا مبتكرة ودعمًا فعالًا، لكن غالبًا ما تُهمل هذه الأفكار في ظل غياب الحاضنات المناسبة.
أهمية تحفيز الابتكار
تُعد البيئة الابتكارية عنصرًا حاسمًا في المجتمعات، وخاصة في المناطق الغنية بالتراث مثل البترا. تحتاج هذه المدينة إلى بيئة تشجع الشباب على تطوير أفكارهم وتنميتها. غياب الدعم الكافي يعني فقدان فرص حقيقية للمساهمة في حماية التراث وتعزيز التنمية.
مثال على الإبداع: الحذاء البيئي
من بين الأفكار المبتكرة التي لم تُعطَ الفرصة المناسبة للتطور هو مشروع الحذاء البيئي الذي اقترحته السيدة آلاء الحسنات. يهدف هذا الحذاء، المصنوع من مواد طبيعية من نفس منطقة وادي موسى ومحيطها، إلى تقليل الأثر البيئي الناتج عن حركة الزوار، مما يساعد على حماية الصخور والمعالم الأثرية من التآكل.
استغرقت آلاء أربع سنوات من البحث لتطوير هذا المفهوم، لكنها لا تزال بحاجة إلى الدعم العلمي والمالي لتحقيق النجاح. إذا لم يتمكن الشباب من الوصول إلى الحاضنات والمراكز الداعمة، فسوف تفقد هذه الأفكار فرصتها في التحول إلى واقع.
العوائد والمخرجات المتوقعة
تتجاوز فوائد دعم الابتكار في البترا مجرد حماية التراث، إذ تشمل:
1. حماية البيئة:
- يساعد الحذاء البيئي على تقليل الضغط على الصخور والمعالم الأثرية، مما يساهم في تقليل التآكل.
- سيؤدي ذلك إلى الحفاظ على المناظر الطبيعية والتنوع البيولوجي في المنطقة، مما يعزز من جمال البترا كوجهة سياحية.
2. توفير فرص العمل:
- ستفتح عملية تصنيع الحذاء البيئي المجال لتوظيف العديد من الأفراد، خاصةً الشباب والعاطلين عن العمل في منطقة وادي موسى.
- بالإضافة إلى ذلك، سيوفر المشروع فرصًا في مجالات التسويق والتوزيع، مما يعزز من التنمية الاقتصادية المحلية.
3. تعزيز السياحة المستدامة:
- تقديم تجربة فريدة للزوار، تتضمن ارتداء حذاء صديق للبيئة، مما يساهم في تحسين سمعة البترا كوجهة مسؤولة بيئيًا.
- من خلال تعزيز السياحة المستدامة، يمكن أن يُسهم المشروع في زيادة العائدات السياحية وتحسين الظروف المعيشية للمجتمع المحلي.
4. تحفيز روح الابتكار:
- إنشاء حاضنات أفكار محلية ستشجع الشباب على تقديم أفكارهم المبتكرة وتطويرها، مما يخلق بيئة تعليمية تُحفز على التفكير النقدي والإبداع.
- من خلال ورش العمل والبرامج التدريبية، سيتمكن الشباب من اكتساب المهارات اللازمة لتحويل أفكارهم إلى مشاريع قابلة للتطبيق.
5. تطوير الشراكات المحلية:
- سيساهم التعاون مع الجامعات والمؤسسات المحلية في تعزيز الروابط بين المجتمع الأكاديمي والعملي، مما يعزز من فعالية البرامج التدريبية ويزيد من نجاح المشاريع.
- من خلال إقامة شراكات مع الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، يمكن توسيع نطاق المشروع ليشمل مجموعة متنوعة من المبادرات الثقافية والبيئية.
6. الترويج للبترا كمركز للابتكار:
- بتحويل البترا إلى منصة تدعم الأفكار الجديدة، يمكن أن تُصبح نموذجًا يُحتذى به على مستوى الوطن، مما يعزز من مكانتها كوجهة ثقافية وسياحية رائدة.
- يمكن تنظيم فعاليات ومسابقات لتشجيع الابتكار، مثل مسابقات التصميم البيئي، مما يُظهر للمجتمع الدولي كيف يمكن للبتراء أن تكون رائدة في مجال الابتكار المستدام.
قصص نجاح عالمية
1. مشروع "Eco-Feet" في كولومبيا
هذا المشروع يُعنى بإنتاج أحذية مصنوعة من مواد معاد تدويرها وصديقة للبيئة. نجح "Eco-Feet" في تقليل الأثر البيئي لمصنع الأحذية التقليدي بنسبة 30%. بالإضافة إلى ذلك، قدم المشروع فرص عمل للشباب في المجتمعات المحلية، مما ساهم في تحسين الدخل الأسري وتعزيز الاستدامة.
2. برنامج "Green Heritage" في إيطاليا
يركز هذا البرنامج على دمج الابتكار مع حماية التراث الثقافي. يشجع البرنامج على تطوير منتجات سياحية مستدامة تتعلق بالثقافة المحلية، مثل ورش العمل الحرفية والزيارات التفاعلية. نجح هذا البرنامج في زيادة السياحة المحلية بنسبة 15% خلال العام الأول، مع توفير فرص عمل جديدة للفنانين والحرفيين المحليين.
3. مبادرة "ReThink" في الهند
تُركز هذه المبادرة على تشجيع الابتكار في مجال إعادة التدوير والمواد البيئية. من خلال إنشاء مختبرات ابتكار في الجامعات، تمكنت "ReThink" من تطوير العديد من المنتجات القابلة لإعادة التدوير، بما في ذلك الأقمشة والحاويات. حققت المبادرة نجاحًا ملحوظًا في تقليل النفايات وزيادة الوعي البيئي في المجتمعات المحلية.
الحاجة لدعم الجهات المعنية
لتحقيق هذه الأهداف، يجب على سلطة إقليم البترا التنموي السياحي واليونسكو والجهات ذات العلاقة دعم المبادرات التي تحفز الابتكار، من خلال:
- تأسيس حاضنات أفكار:
- تُخصص هذه الحاضنات لدعم المشاريع الشبابية من خلال تقديم الدعم الفني والمالي. ستحقق هذه الحاضنات نتائج إيجابية من خلال تطوير أفكار جديدة وتحويلها إلى مشاريع قابلة للتطبيق.
- توفير بيئة ملائمة للعمل الجماعي، حيث يمكن للشباب تبادل الأفكار والخبرات، مما يعزز من الإبداع والابتكار.
- التعاون مع الجامعات:
- يمكن أن تُعقد شراكات مع جامعة الحسين بن طلال لإنشاء برنامج خاص يركز على تطوير المشاريع البيئية والثقافية، حيث يشارك الطلاب في تطوير الحذاء البيئي ومشاريع مشابهة.
- تشمل الأنشطة ورش العمل، والندوات، والمحاضرات، مما يساعد على تبادل المعرفة والخبرات بين الطلاب والمجتمع.
- توفير التمويل والدعم الفني:
- يجب إنشاء صناديق تمويل خاصة للمشاريع الابتكارية، مما يسهل على الشباب الحصول على الدعم المالي اللازم لتطوير أفكارهم.
- دعم عمليات البحث والتطوير من خلال توفير المرافق والمعدات اللازمة لاختبار الأفكار وتصنيع المنتجات.
تمثل فكرة تصنيع الحذاء البيئي مثال هام نحو حماية البترا وتعزيز الابتكار في المجتمع المحلي. مع وجود بيئة داعمة، يمكن للشباب أن يساهموا بشكل فعّال في الحفاظ على هذا التراث الثقافي الثمين. دعونا نعمل جميعًا على تعزيز ثقافة الابتكار في البترا، لنجعلها حاضنةً للأفكار والإبداع، ونُحافظ على إرث الأجداد الأنباط، لبناء مستقبل مشرق يستحقه هذا المعلم الفريد.