علينا أن نتذكر أمام تحول العالم لاقتصاد المعرفة والمعلومات والابتكار والاختراعات، بأن لدينا في الأردن وزارة للبحث العلمي، على الرغم من أن هنالك شطر يسبق إسمها وهو التعليم العالي...
وأمام ذلك وللأسف نجد اليوم أقسام الجامعات لدينا شبه منغلقة على نفسها علميا، وإذ تتطور أبحاث الأساتذة، ففي ذات المجالات فقط، والتي أصبحت غالبا ذات طابع نظري بحت ومكرر، وبلا أية عوائد على الإقتصاد.
نسمع كثيرا عن الفرق البحثية في مراكز أبحاث وجامعات الدول الغربية، فتجد بأن علماء الفلك قد تعاونوا مع علماء الأحياء والجيولوجيا والمعادن لدراسة محتويات نيزك سقط على الأرض، وفيه بقايا عضوية لم تحترق، وقد تشير إلى نوع من أنواع الحياة في مصدر النيزك، وتجد أن علماء الطب قد تعاونوا مع علماء الفيزياء لتطوير تقنيات تعالج السرطان بمحاكاة الحقول الكهرومغناطيسية للخلايا المصابة لتدميرها، بما يدعى بالرنين الحيوي، وتجد بأن علماء الطب والصيدلة يتعاونون مع علماء الأحياء لتصنيع عقارات لعلاج مرض معين، وأن أساتذة الهندسة يتعاونون مع علماء المعادن لتطوير قضبان من ألياف الكربون تحل مكان حديد التسليح،... إلخ.
ونسوق تاليا أيضا عدة أمثلة قد تنتج عن التعاون العلمي الأفقي بين الأقسام، فهل جربت مثلا أقسام البيولوجي والجيولوجيا التعاون مع قسم الآثار، لدراسة البقايا العضوية الميكروية وحتى الماكروية والمتحجرات في مخرجات الحفريات التي تتم لديهم سنويا، فمخرجات أتربة الحفريات الآثارية عبارة عن طبقات رقيقة نوعا ما، تمثل سجلات زمنية عن حياة الحضارات وبيئتها ومناخها السائد والوفرة المائية والغذائية آنذاك، والكوارث الطبيعية التي عاصرتها، وفضلا عن مساهمة ذلك بإضافة مادة للحضارات التي سكنت أرضنا، فيعطينا ذلك مؤشرات تمكننا من إستشراف المستقبل المناخي والمائي والزلزالي لمنطقتنا.
أساتذة الجيوفيزياء لديهم حلولا مثلا لإستكشاف الآثار المطمورة بلا حفر، وكذلك إستكشاف الطبيعة الهندسية للصخور السطحية والطمم للغايات الهندسية المدنية، وبلا حفر أيضا، وبنسبة دقة عالية.
الأمثلة كثيرة جدا، وأقسامنا العلمية ذات الإختصاصات المختلفة كثيرة أيضا، بينما التعاون الأفقي شبه غائب.
علوم المستقبل كالنانوتكنولوجي والفضاء والطاقة المتجددة، وتكنولوجيا الإقتصاد الأخضر، وتكنولوجيا المعلومات والأرقام، والذكاء الإصطناعي، وهندسة الجينات وغيرها، كلها أصبحت بشكل أو بآخر ترتبط مع كل العلوم، من فيزياء وكيمياء ورياضيات وأحياء وجيولوجيا وهندسة وطب وصيدلة ومعلوماتية،... إلخ.
هنالك أجهزة مخبرية متطورة في كل قسم علمي في جامعاتنا، ويعتقد الغالبية بأن إستعمالاته حكرا على أبحاث القسم المعني فقط، بينما قد يخدم كثيرا جانب بحثي هام في تخصص آخر.
إذن فالتكامل والتعاون العلمي الأفقي مطلوب، والشرح يطول، والهدف من المقال أن ندعو جامعاتنا لوضع قوانين تفضي إلى إيجاد مجالس علمية بين الكليات والأقسام داخلها، تؤدي إلى إفراز فرق بحثية تتبنى قضايا بحثية، تعود على الجامعات والبلد بالنفع العلمي والإقتصادي، فضلا عن إخراج أساتذتنا وجامعاتنا من إطار التقليدية، والإنطلاق إلى المستقبل بقوة.
فهل تفعلها يا معالي وزير البحث العلمي، وتوعز بإيجاد هكذا مجالس في جامعاتنا؟