رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

الدكتور محمد الهواوشة يكتب: ترامب والعرب: تأثير السياسة الأمريكية بين الأمس واليوم

الدكتور محمد الهواوشة يكتب:  ترامب والعرب: تأثير السياسة الأمريكية بين الأمس واليوم
جوهرة العرب

الدكتور محمد الهواوشة

لا يزال اسم دونالد ترامب يرتبط بشكل وثيق بأحداث الشرق الأوسط خلال فترة رئاسته، حيث شهدت تلك الفترة تغييرات جوهرية في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية. كانت خطواته، من اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلى تهميش القضية الفلسطينية، وانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، تمثل تحولًا كبيرًا عن سياسات الرؤساء السابقين، ما أثار مشاعر متباينة في المجتمعات العربية.

مرحلة التحول الجذري

كانت فترة ترامب تشهد تراجعاً عن المبادئ التي كانت الولايات المتحدة تتبناها سابقاً في التعامل مع النزاعات في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، اتخذ قرارًا بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، في خطوة مثيرة للجدل شجعت الدول الخليجية على تشديد مواقفها تجاه إيران. ورغم أن العديد من الدول العربية رحبت بهذا الموقف ظناً أنه سيحد من نفوذ إيران، إلا أن هذه الخطوة أدت إلى تصعيد التوترات، وزادت من احتمالية المواجهات المباشرة في المنطقة.

وفي خطوة أخرى، أقر ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ما اعتبره العرب بمثابة تخلي واضح عن دور الولايات المتحدة كوسيط في النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. 
أثار هذا القرار غضبًا واسعًا وأدى إلى تدهور العلاقات بين أمريكا والشعوب العربية، حيث شعر الكثيرون أن ترامب أسقط القضية الفلسطينية من أجندته بالكامل.

تأثير الاتفاقيات الإبراهيمية

على الرغم من الجدل المحيط بسياسة ترامب، إلا أن بعض القادة العرب وجدوا في تلك الفترة فرصة لتحقيق مصالح مشتركة. فبموجب "الاتفاقيات الإبراهيمية"، قامت وستقوم عدة دول عربية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل بوساطة أمريكية، مما أثار ردود فعل متباينة في العالم العربي. فبينما رأى البعض في هذه الخطوات فرصة لتحقيق الاستقرار والتعاون الاقتصادي، اعتبرها آخرون تنازلًا عن حقوق الفلسطينيين، ما زاد الانقسام داخل المجتمعات العربية حول هذا الموضوع.

كان ترامب يلعب دورًا محوريًا في تلك الاتفاقيات، حيث سعى إلى تشكيل محور جديد لمواجهة إيران، وخلق سوق اقتصادي مفتوح بين إسرائيل ودول الخليج. ومع أن البعض يرى أن هذه الاتفاقيات قد تساهم في تخفيف التوترات الإقليمية، إلا أن الواقع يظهر أن هذه السياسة أثارت مخاوف جديدة بشأن تجاهل قضايا حقوق الإنسان واستبعاد القضية الفلسطينية من أولويات السياسة الأمريكية.

سياسة ترامب ضد الإرهاب وتأثيرها على العرب

في إطار الحرب على الإرهاب، اتبعت إدارة ترامب نهجاً صارماً تجاه الجماعات المسلحة في سوريا والعراق، وأدت إلى تحقيق تقدم في مكافحتها. لكن على الجانب الآخر، أدت سياسة "الضغط الأقصى" التي مارسها على إيران إلى تصعيد التوترات في سوريا واليمن ولبنان، ما جعل هذه البلدان ساحة صراع مفتوحة للقوى الإقليمية والدولية، ودفع ثمنها شعوب عربية عانت من الصراعات المتزايدة.

ورغم إعلانه عن رغبته في تقليص الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، إلا أن القرارات التي اتخذها خلال فترة حكمه تركت المنطقة في حالة توتر دائمة، حيث ظل الخطر قائماً، مع ظهور جماعات مسلحة جديدة وزيادة النفوذ الإيراني في بعض الدول.

ترامب والعرب: إلى أين؟

مع عودة ترامب إلى الساحة السياسية بعد تصريحاته حول إنهاء الحروب المستمرة، يشعر البعض في العالم العربي بالأمل في أن يسعى إلى إيجاد حلول جذرية للأزمات التي تعصف بالمنطقة، مثل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، والحرب في غزة، والحرب الأوكرانية. ففي تصريحاته الأخيرة، أكد رغبته في إنهاء النزاع في أوكرانيا وتقليص التدخلات الأمريكية في النزاعات الخارجية، ما يثير التساؤلات حول ما إذا كان سيقوم بخطوات جادة لتحقيق السلام في المنطقة أم لا.

لكن العرب يدركون جيدًا أن ترامب ليس من السهل التنبؤ بتوجهاته، وأن وعوده قد تكون مجرد خطابات شعبوية تهدف إلى كسب تعاطف الناخبين في الداخل الأمريكي. ومع ذلك، تبقى هناك تساؤلات حول مدى صدق نواياه، وما إذا كان سيقوم بالفعل بتقليل التدخلات الأمريكية في المنطقة أم سيواصل سياسة المصالح الأمريكية التي لا تعير اهتمامًا كبيرًا لاستقرار الشرق الأوسط بقدر ما تهتم بتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.

التوقعات المستقبلية: بين الأمل والتشاؤم

يظل السؤال الأبرز هو: ماذا يعني عودة ترامب للمنطقة العربية؟ هل سيسعى لتحقيق السلام أم سيواصل سياسة الضغط والتدخل؟ هل ستشهد المنطقة انفراجًا في العلاقات أم تصاعدًا في الصراعات؟

يبقى العرب في موقف متحفظ تجاه عودة ترامب، حيث يعتبره البعض فرصة لتصحيح بعض الأخطاء، بينما يرى فيه آخرون رمزًا لعدم الاستقرار. وبغض النظر عن توقعاتهم، فإنهم يدركون أن أي تغيير في سياسة ترامب قد يكون له تأثير عميق على مستقبل المنطقة.

في النهاية، يدرك العرب أن عليهم استغلال الفرصة لدفع ترامب نحو سياسات أكثر توازنًا، ويأملون أن تكون لديه نية صادقة لإنهاء الصراعات في المنطقة، لا سيما النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. ورغم أن مسار سياسته يبقى غامضًا، إلا أن العرب يأملون في تحقيق مزيد من الاستقرار والازدهار في المستقبل القريب.