طلبت مني جارتي مساعدتها في إيجاد طبيب استشاري لحالتها الصحية. ومن إيجابيات التكنولوجيا الحديثة أنك تستطيع بسهولة العثور على ما تحتاجه عبر الإنترنت. بحثت، ووجدت اسم طبيب يشيد الجميع بعبقريته على المجموعات العامة، وحصلت على عنوانه. الغريب أن له عنوانين؛ فاخترت الأقرب إلى سكن جارتي.
ذهبنا إلى العيادة، ويا ليتنا لم نذهب! كان المكان مزدحمًا للغاية، وكل الحالات كانت حرجة. الأغرب أن الطبيب يستقبل المرضى مرتين فقط في الأسبوع؛ في يومٍ ثلاث ساعات، وفي يومٍ آخر ساعة واحدة فقط!
اضطررنا للانتظار طويلًا حتى جاء دورنا. دخلنا أنا وجارتي لنجد طبيبًا متجهّم الوجه، قليل الكلام، وغير مهتم. استمع إلى شكوى جارتي على مضض وبسرعة، ثم طلب منها إجراء العديد من التحاليل وطلب منا الخروج. عندما سألته أن يفحصها، رمقني بنظرة حادة وكأنني أطلب شيئًا غير معقول، وقال: "في الاستشارة بإذن الله بعد رؤية التحاليل." ثم أشار إلينا بالخروج.
خرجنا والندم يعتصرنا. قلت لجارتي: "لا تبالي، سنذهب إلى طبيب آخر." لكنها أصرت على إجراء التحاليل والعودة إليه.
الحقيقة الخفية
عدت إلى الإنترنت، وقررت أن أبحث أكثر عن هذا الطبيب. من خلال المجموعات الاجتماعية، اكتشفت أنه يمتلك مركزًا طبيًا كبيرًا في حي راقٍ، حيث الكشف بمبلغ مرتفع جدًا. في حين أن الكشف في العيادة التي زرناها كان ثلث هذا المبلغ.
استفسرت أكثر، فعلمت أن العيادة البسيطة هي شقة والدته، وأنه وافق على فتح عيادة فيها بناءً على رغبتها، ليكون الكشف بسعر رمزي تخفيفًا عن محدودي الدخل. أما في مركزه الخاص، فهو يحدد الأسعار كما يشاء.
هذا عمل نبيل يحسب لوالدته، لكنه لا يعفي الطبيب نفسه من واجب حسن معاملة المرضى. فقد بدا لي أنه يعامل مرضى العيادة البسيطة بتعجرف وتجاهل، بينما يتعامل مع مرضى المركز الراقي بدماثة خلق واحترام.
نموذج آخر مشرّف
على النقيض، أعرف طبيبًا جراحًا استشاريًا لم أرَ مثله علمًا وأخلاقًا. كان سببًا، بعد رحمة الله، في إنقاذ حياتي. سعر الكشف لديه 100 جنيه فقط للجميع، سواء كان المريض غنيًا أو فقيرًا.
يمنح كل مريض وقتًا كافيًا ويفحصه بدقة، حتى أن المرضى يودعونه بالأحضان والدعوات الصادقة. رأيته مرة يُخرج مريضًا بنفسه، وكأنه يودع فردًا من أسرته.
الأكثر إنسانية، أنه أثناء جراحة لامرأة لاكتشاف فتق، وجد ثقبًا في الحجاب الحاجز، وأصلحه دون أن يطلب أي مصاريف إضافية.
كمية الدعوات التي يتلقاها هذا الطبيب لو استجاب الله لنصفها، لكان قد نال الدنيا والآخرة.
رسالة إلى الأطباء
المرض ضعف، ومن واجب الطبيب أن يراعي الله في مرضاه. الفقر ليس ذنبًا يُحاسب عليه المرضى، ويجب أن يُعامل الجميع بالقدر نفسه من الاحترام والاهتمام. الأخلاق والتواضع قيم لا تقل أهمية عن العلم.
شفاء المرضى نعمة من الله، والعمل الإنساني هو أعظم ما يتركه الطبيب من أثر في حياة الآخرين.