في خطابٍ حمل بين طياته رؤية استراتيجية لمستقبل الأردن، افتتح جلالة الملك عبدالله الثاني اليوم الدورة العادية لمجلس الأمة، معربًا عن اهتمامه البالغ بتعزيز مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي، مع التركيز على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تمر بها المملكة.
خطاب الملك لم يكن مجرد توجيه للسلطات التشريعية والتنفيذية، بل كان بمثابة خريطة طريق نحو تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة، في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها المنطقة والعالم.
أولى جلالة الملك في خطابه اهتمامًا خاصًا للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، مؤكدًا أن الأردن يواجه تحديات اقتصادية تستدعي تضافر الجهود الوطنية لضمان تحسين مستويات المعيشة للمواطنين وتعزيز فرص العمل. في هذا السياق، دعا جلالته إلى تسريع تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تعزز بيئة الأعمال وتساهم في جذب الاستثمارات، مشددًا على أن توفير فرص العمل وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين هي من أولويات الحكومة والبرلمان.
وأكد جلالة الملك على أهمية إصلاح القطاع العام، وتحديثه بما يتناسب مع تطورات العصر ومتطلبات التنمية المستدامة. كما شدد على أهمية إشراك القطاع الخاص في عملية الإصلاح، باعتباره شريكًا رئيسيًا في تحقيق النمو الاقتصادي.
من أبرز محاور الخطاب كانت دعوة الملك إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وتوفير فرص متساوية لجميع الأردنيين، مشيرًا إلى أن هذا الهدف يمثل مسؤولية مشتركة بين جميع المؤسسات الوطنية. وأكد جلالته على ضرورة تقديم الدعم للفئات الأكثر احتياجًا، من خلال سياسات اقتصادية تضمن توزيعًا عادلًا للثروات والموارد.
كما و شدد جلالتة على أهمية توفير بيئة تمكينية تمكن الشباب والنساء من المشاركة الفعالة في المجتمع، وتوفير الفرص لهم لتحقيق طموحاتهم، وهو ما يعكس اهتمامه البالغ بتحقيق التنمية البشرية.
وقد تطرق خطاب جلالة الملك إلى ملف مكافحة الفساد، حيث أكد أن محاربة الفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة يشكلان حجر الزاوية في عملية الإصلاح الشامل. الملك عبدالله الثاني دعا الجميع إلى تكثيف الجهود لمكافحة الفساد على جميع المستويات، بدءًا من القطاع العام وصولًا إلى القطاع الخاص، معتبرًا أن الفساد يشكل عقبة رئيسية أمام تقدم الدولة ويجب معالجته بكل حزم.
كما أشار جلالته إلى أهمية تقوية المؤسسات الرقابية وتعزيز دورها في محاربة الفساد، مطالبًا بزيادة مستوى الشفافية في إدارة الموارد العامة.
في إطار رؤيته المستقبلية، أشار الملك عبدالله الثاني إلى أهمية دور الشباب في بناء مستقبل الأردن، مشددًا على ضرورة تفعيل مشاركتهم في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما دعا إلى توفير بيئة تعليمية وصحية أفضل، تُمكّن الشباب من مواكبة التطورات العالمية والمساهمة الفاعلة في مسيرة التنمية.
لم يغفل خطاب الملك عن التحديات الإقليمية والدولية التي تؤثر بشكل مباشر على الوضع في الأردن. فقد أكد جلالته أن الأردن سيظل مدافعًا عن القضايا العربية العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الأردن مستمر في دوره الإنساني في دعم اللاجئين في المملكة، والذي يعد عبئًا إضافيًا على الاقتصاد الوطني.
وأشار جلالته إلى ضرورة تعزيز التعاون بين الدول العربية لمواجهة التحديات المشتركة، وتوحيد الجهود في مواجهة الأزمات الإقليمية.
ختامًا، شدد جلالة الملك عبدالله الثاني على أهمية تعزيز التعاون بين السلطات التنفيذية والتشريعية، مؤكدًا أن العمل المشترك بين الحكومة ومجلس الأمة يعد أساسًا لتحقيق الأهداف الوطنية. وأشار إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب تفعيل دور البرلمان في تشريع القوانين اللازمة لدفع عجلة التنمية، وتعزيز المساءلة والمراقبة على عمل الحكومة.
وفي الختام فأن خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني اليوم في افتتاح مجلس الأمة كان رسالة واضحة لجميع الأردنيين بأهمية العمل الجاد والمشترك لمواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة والعالم. ورغم الصعوبات، أظهر الخطاب التفاؤل والثقة في قدرة الأردن على تجاوز أزماته من خلال الإصلاحات المستمرة والتعاون الوطني. إن دعوة جلالته لتحقيق العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد، وتعزيز دور الشباب، جميعها تمثل ركائز أساسية في بناء مستقبل مزدهر للأردن، ما يتطلب من الجميع الالتزام والعمل المشترك لتحقيق هذا الهدف الوطني.