تتأثر معظم القطاعات الحيوية في الأردن بالتغيرات المناخية التي شهدتها البلاد في الأعوام الأخيرة، حيث تزداد حدتها بشكل مستمر. واحدة من أبرز هذه التغيرات هي التأخر الكبير في موسم الأمطار، وهو ما يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الأردني وعلى حياة المواطنين. في هذا السياق، يشكل التغير المناخي تهديداً اقتصادياً وجغرافياً للأردن، بما يتضمن مخاطر تتراوح بين الجفاف، شح المياه، زيادة الطلب على الطاقة، والتأثيرات على الزراعة والسياحة.
1. الجفاف وشح المياه
أحد أبرز آثار التغير المناخي في الأردن هو تزايد حالات الجفاف، وهي مشكلة شديدة التأثير في الموارد المائية؛ فلقد تراجعت كمية الأمطار، وتغيرت أنماط تساقطها، بحيث أصبح المطر يتركز في مناطق معينة ويغيب عن مناطق أخرى، والانجاه العام هو تناقص كميات الأمطار، مما يزيد من ملوحة المياه الجوفية بسبب قلة التغذية، ويغير سلبا في تكامل الموائل الطبيعية والأنظمة البيئية وجغرافيتها وتنوعها الحيوي الذي أصبح ينحدر.
تأخر الأمطار عن مواعيدها التقليدية يقلل تجديد المياه الجوفية، مما يؤدي إلى تدهور نوعيتها ويزيد من تكاليف المياه التي يتعين على المواطنين الحصول عليها من مصادر بديلة.
هذا بالمقابل يفاقم كذلك المشكلة المائية ويؤثر بشكل مباشر على القطاعات الزراعية والصناعية، والتي تعتمد بشكل كبير على هذا المورد الحيوي، ويؤثر بالتالي على العملية التنموية، حيث تدعم هذه القطاعات قطاعي التجارة والخدمات.
2. ارتفاع درجات الحرارة والطلب على الطاقة
من بين التحديات الأخرى التي يواجهها الأردن نتيجة للتغيرات المناخية، هي الارتفاعات المتزايدةغ في درجات الحرارة، وهو ما يُسمى بالغليان الحراري. وقد شهدت المملكة في صيف عام 2023 و 2024 درجات حرارة غير مسبوقة، ما أدى إلى زيادة كبيرة في الطلب على الكهرباء من خلال مكيفات الهواء وأجهزة التبريد. هذا الارتفاع في الطلب يرفع من كلفة الطاقة للأسر والمؤسسات على حد سواء، ويضع ضغوطاً إضافية على ميزانيات الأسر التي تكافح لتغطية تكاليف الكهرباء خلال أشهر الصيف الحارة. الأمر نفسه ينطبق على الشتاء، حيث يحتاج المواطنون إلى تدفئة المنازل، مما يزيد الضغط على الطاقة ويساهم في ارتفاع الأسعار.
3. التأثير على الزراعة وأسعار الغذاء
تعد الزراعة من أكثر القطاعات تأثراً بالتغيرات المناخية، حيث تؤدي قلة الأمطار وتأخرها إلى تدهور في جودة التربة وزيادة التصحر. في ظل هذه الظروف، تتضاءل مساحات الأراضي الزراعية، مما يرفع من تكلفة الإنتاج الزراعي. هذا التدهور في الإنتاج يؤثر بشكل مباشر على أسعار الغذاء في السوق المحلي، ويزيد من الضغط على الأسر الأردنية، خاصة تلك التي تعتمد على الزراعة كمصدر دخل رئيسي. إضافة إلى ذلك، قد تؤثر موجات الجفاف على توافر الأعلاف والمياه للثروة الحيوانية، مما يزيد من تكلفة إنتاج اللحوم والألبان.
كل ذلك إضافة إلى عزوف الفلاحين والمزارعين ومربي المواشي بالقرى والأرياف والبوادي عن مهنهم التقليدية المتوارثة التي تدعم الأمن الغذائي الوطني، ويهاجرون للمدن الكبرى بحثا عن أعمال أخرى.
4. السياحة البيئية وتأثيرات التغير المناخي
تعتبر السياحة البيئية في الأردن من القطاعات الاقتصادية الهامة التي تعتمد على البيئة الطبيعية والمناخية لجذب السياح. لكن التغيرات المناخية، بما في ذلك الجفاف والحرارة المتطرفة، تهدد جاذبية بعض المواقع السياحية. انخفاض معدلات الأمطار يؤدي إلى تقلص المساحات الخضراء، مما يحد من القدرة على جذب السياح الباحثين عن الطبيعة والمناطق الخضراء. هذا يؤدي إلى تقليص الإيرادات في القطاع السياحي، وهو ما يشكل تحدياً إضافياً للاقتصاد المحلي في بعض المناطق.
5. التأثير على الصحة العامة
مع التغيرات المناخية، تظهر أمراض جديدة أو تزداد الأمراض المتواجدة. مثلاً، يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة في الأمراض المرتبطة بالحرارة مثل الضربة الحرارية أو أمراض القلب والأوعية الدموية. كما أن التغيرات في أنماط الأمطار قد تساهم في زيادة انتشار الأمراض المنقولة بواسطة المياه أو الحشرات. هذه المشاكل الصحية تضع ضغطاً على النظام الصحي وتزيد من التكاليف الطبية على الأسر.
6. تأثيرات الغليان الحراري على البنية التحتية
تشهد المملكة أيضاً تدهوراً في البنية التحتية بسبب ارتفاع درجات الحرارة، حيث تتعرض الطرق والشبكات الكهربائية ومرافق البنية التحتية الأخرى للتلف بسرعة أكبر. هذه التأثيرات تتطلب استثمارات ضخمة في الصيانة والتطوير لتجنب الأضرار المتزايدة، وهو ما يمثل عبئاً إضافياً على الميزانية العامة للبلاد.
ومن ناحية أخرى فقد جاء المقال التالي لي في شباط 2023، ليؤكد اليوم على إستمرار وتفاقم الشح المطري
هل أوقعنا التغير المناخي موسميا بين فكي كماشة؟
منذ نحو ثلاثة عقود بدأنا في المملكة نشهد تأخر موسم الأمطار عن موعده، ليصبح ذيل أيلول ناشف غير مبلول، وكان آنذاك الحديث الدارج أن حرب الخليج الأولى قد أثرت على مناخ المنطقة، وكنا نقرأ القليل عن فعل التغير المناخي وظاهرة الإحترار بالتزامن مع ذلك.
عام 2013 نشرت وزميلي الدكتور عاطف مشاقبة دراسة إحصائية عن سلوك التساقط المطري في محطات المملكة عن آخر عشرين عاما، لتصلف الدراسة إلى أن خارطة المملكة المطرية الزمنية تتحدث عن أن المناطق الرطبة تصبح جافة والجافة تزداد جفافا، بينما كانت محطات تسجيل وقياس الأمطار الشهرية تري هبوطا واضحا وتناقصا في الكميات.
مؤخرا وفي موسم الأمطار الأخير بدأنا نلمس تأخر الأمطار بشكل واضح، وقبلها بسنوات لمسنا إزاحة مطرية عن المساقط المائية المعهودة للسدود فيقل رفدها، بينما بدأت الخارطة المطرية تري جفافا في الوسط والشمال وزيادة تساقط في شرق وجنوب المملكة، مع منخفضات ذات طبيعة غير معهودة زمنيا في أوقات معينة من الموسم المطري.
الحديث هذه الأيام (بداية عام 2023 حسب المقال) ومباشرة بعد المربعانية عن قرب منخفض خماسيني الطباع، وهذا تقريبا يأتي باكرا جدا -إن حدث فعلا- خاصة وأننا على مشارف شهر شباط.
المعادلة تتحدث عن فكي كماشة زمنية موسمية تضغطنا؛ فيتأخر المطر عن موعده... بينما تعجل أحوال الخماسين قبل موعدها، لنتحدث بالمحصلة عن منطقة تزداد جفافا فوق جفافها، وعن موسم مطري ينكمش زمنيا ويقل كميا ويتغير بالتوزيع مكانيا.
التحدي:
التدابير الحكومية أمام واقع زيادة السكان وآثار موجات اللجوء والإجهاد المائي والمالي في المملكة لن تكون كافية، خاصة مع مخططات نمو تكشف عن مدينة جديدة، وزيادة سياح ونشاط صناعي وعمراني وزراعي، وكلها بحاجة للمياه.
الفرصة:
قد نصنع من ذلك فرصة تاريخية عند إقناع الدول الدائنة بواقعنا المائي، وإنعكاس التغير المناخي العالمي علينا (والذي نعد من ضحاياه ولسنا سببا له)، بجانب ضغوطات موجات اللجوء، ونستطيع تحويل جزء من الديون الخارجية لإستثمارات بمشاريع الاقتصاد الأخضر للدول الدائنة وبالشراكة على أراضينا.
هذا وأن رحمة الله تعالى فوق كل شيء،،، فاللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.