مع بدء الدورة العادية الأولى لمجلس النواب العشرين، أعادت تشكيلات اللجان البرلمانية إلى الواجهة تساؤلات حول مصداقية الديمقراطية في الأردن. رغم أن اللجان النيابية تُعد أعمدة رئيسية للعمل التشريعي والرقابي، فإن ما حدث من توافقات أظهر تراجعاً في الالتزام بالمعايير الديمقراطية لصالح المحاصصات السياسية، وهو ما يتعارض مع خطاب العرش الملكي الذي رسم خارطة طريق واضحة للإصلاح البرلماني.
خطاب العرش: رؤية للإصلاح تُغيَّب
في خطاب العرش الأخير، أكد جلالة الملك على ضرورة ترسيخ الكفاءة وتعزيز العمل الحزبي وتوسيع مشاركة الشباب والنساء، مشيراً إلى أن العمل البرلماني لا بد أن يعكس الأولويات الوطنية. ومع ذلك، جاءت مخرجات تشكيل اللجان لتؤكد أن المجلس لم يلتزم بالتوجيهات الملكية، بل مضى في طريق الترضيات السياسية، وهو ما يطرح أسئلة جوهرية حول أسباب هذا الانحراف عن الرؤية الملكية.
لماذا غفل المجلس عن التوصيات الملكية؟
أسباب عدة تُفسر هذا الإخفاق، منها:
1. تغليب المحاصصة على الكفاءة: تم توزيع المقاعد وفقاً للتوافقات السياسية، وليس بناءً على خبرات النواب وكفاءاتهم.
2. تصفية الحسابات السياسية: استبعاد شخصيات بارزة مثل النائب صالح العرموطي، وحزب جبهة العمل الإسلامي، يُظهر محاولة لتقليص دور المعارضة داخل اللجان الأساسية.
3. ضعف الإرادة الإصلاحية داخل المجلس: لم تظهر نية حقيقية لتغيير آليات العمل التقليدية، مما أدى إلى إعادة إنتاج أزمات الماضي.
ثقة المواطن بين الصعود والهبوط
شهدت ثقة المواطن بالدولة ارتفاعاً ملحوظاً بعد نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، حيث عكست الأجواء الانتخابية تطلعاً إلى تغيير إيجابي وشعوراً بجدية الإصلاح. لكن سرعان ما عادت هذه الثقة إلى نقطة الصفر بعد نتائج انتخابات رئاسة المجلس وتشكيل اللجان، التي جاءت مخيبة للآمال، وظهرت فيها المحاصصة والمصالح الضيقة على حساب الكفاءة والتمثيل العادل. هذا التراجع يعكس فجوة بين تطلعات المواطن وأداء مجلس النواب، مما يُضعف مصداقية العملية الديمقراطية.
تصفية الكفاءات: أزمة ديمقراطية أم حسابات سياسية؟
استبعاد النائب صالح العرموطي، صاحب الخبرة القانونية الواسعة، عن اللجنة القانونية يعكس حالة صارخة من تغييب الكفاءات لصالح معايير لا تخدم المصلحة العامة. هذا النهج يُضعف أداء المجلس التشريعي ويُفقد المواطن الثقة في أن البرلمان يعمل على حل مشكلاته أو تحقيق تطلعاته.
هل الديمقراطية ديكور سياسي؟
بدلاً من أن تكون اللجان منصات لتفعيل دور الكفاءات وممارسة الرقابة الفاعلة، أصبحت محكومة بولاءات سياسية تعيد إنتاج نفس الأنماط التقليدية. هذا يُظهر أن الديمقراطية البرلمانية في الأردن ما زالت تُستخدم كواجهة، بينما الواقع يعكس تصفية حسابات ومحاباة سياسية تعرقل مسار الإصلاح.
خارطة طريق للإصلاح البرلماني
لتجاوز هذه الأزمة، يجب تبني إصلاحات حقيقية، أبرزها:
1. تطوير معايير تشكيل اللجان: على أن تستند إلى الكفاءة والتخصص، بعيداً عن المحاصصة السياسية.
2. تمكين المعارضة داخل اللجان: لضمان تحقيق التوازن والمساءلة الفاعلة للسلطة التنفيذية.
إن تجاهل مجلس النواب التوصيات الملكية وتهميش الكفاءات يعكس أزمة حقيقية تهدد تطور الديمقراطية الأردنية. إذا لم يتم تدارك الخلل والعودة إلى المسار الصحيح الذي رسمه خطاب العرش، فإن الإحباط الشعبي سيزداد، وسيبقى العمل البرلماني في دائرة الفشل. الديمقراطية ليست شعارات تُرفع، بل مسؤوليات تُمارس بجدية لخدمة الوطن والمواطن.