الطفل المتعالي: تأثيراته على حياته المستقبلية وكيفية التعامل معه
اعداد / آمنه اللحام
يعد نمو الطفل وتكوينه الاجتماعي من أهم مراحل حياته التي تؤثر في تشكيل شخصيته وسلوكه طوال سنوات عمره. وفي الوقت الذي يسعى فيه الآباء والمربون إلى غرس القيم الحميدة، مثل التواضع والتعاون والاحترام، يواجه بعض الأطفال تحديات في التكيف مع هذه القيم. من بين هذه التحديات، يظهر سلوك "الغرور" أو "التعالي" لدى بعض الأطفال، وهو سلوك قد يكون له آثار سلبية عميقة على حياتهم الشخصية والاجتماعية في المستقبل.
ما هو الطفل المتعالي؟ الطفل المتعالي هو ذلك الطفل الذي يظهر سلوكًا يظهر فيه التفاخر أو الشعور بالتفوق على الآخرين بشكل مبالغ فيه. قد يعتقد هذا الطفل أنه أفضل من أقرانه في أمور معينة مثل المظهر أو الذكاء أو القدرة المالية لعائلته. ويتجلى هذا الشعور في تصرفاته اليومية، حيث يعامل الآخرين بتكبر، ويقلل من قدراتهم، بل أحيانًا قد يتجنب المشاركة معهم في الأنشطة الاجتماعية.
يُظهر الأطفال المتعالون أحيانًا عدم الاحترام للمحيطين بهم، سواء كانوا أقرانهم أو حتى البالغين. ويعتمد هذا السلوك عادة على الاعتقاد الخاطئ بأن التفوق على الآخرين يجب أن يتم عن طريق إظهار التفوق الدائم.
أسباب تؤدي الى سلوك التعالي لدى الطفل:
التربية الأسرية: في بعض الحالات، يمكن أن تكون البيئة الأسرية أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا السلوك. فإذا نشأ الطفل في أسرة تضع توقعات عالية جدًا أو تُظهر التفوق المستمر، قد يعتقد الطفل أن النجاح والتفوق على الآخرين هو جزء من هويته. كما يمكن أن يسهم التدليل المفرط في زرع شعور بالاستحقاق في الطفل.
المقارنة بين الأطفال: في بعض الأسر أو المدارس، قد تتم مقارنة الأطفال بشكل مستمر مع أقرانهم مما يعزز شعور الطفل بالتفوق أو الفشل. هذه المقارنات غالبًا ما تُشعر الأطفال أنهم بحاجة إلى التميز باستمرار عن الآخرين لكي يشعروا بالقبول أو الفخر.
التعرض للنجاح المبكر: في بعض الأحيان، قد يحقق الطفل نجاحًا مبكرًا في مجال معين، مثل الرياضة أو الدراسة، مما يجعله يشعر بأنه في موقع تفوق على أقرانه. هذه النجاحات يمكن أن تؤدي إلى سلوك تعالي إذا لم يتم توجيه الطفل بشكل سليم.
ما هي آثار سلوك التعالي على حياة الطفل المستقبلية:
العزلة الاجتماعية: الأطفال المتعالون يواجهون صعوبة في بناء علاقات صداقة صحية ومستدامة. فالتكبر وعدم احترام الآخرين يجعلهم منبوذين من قبل أقرانهم، مما قد يؤدي إلى الوحدة والعزلة الاجتماعية. وبمرور الوقت، قد يشعر الطفل بالغربة عن محيطه الاجتماعي ويعاني من صعوبة في بناء علاقات عميقة.
صعوبة التكيف مع بيئات جديدة: في الحياة المستقبلية، سيواجه الطفل المتعالي تحديات كبيرة في التكيف مع بيئات جديدة، سواء في المدرسة أو في مكان العمل. عادة ما يُصعب هذا السلوك على الشخص العمل في فرق أو التعاون مع الآخرين بشكل فعال، وهو ما يعد مهارة أساسية في أي مجال مهني.
الانعكاس على الصحة النفسية: هناك علاقة وثيقة بين التكبر ومشاعر انعدام الأمان الداخلي. فقد يشعر الطفل المتعالي في النهاية بالضغط لإثبات نفسه باستمرار، وهو ما يؤدي إلى قلق دائم وحالة من عدم الرضا الداخلي. مع مرور الوقت، قد يعاني الطفل من مشاعر العزلة النفسية والاكتئاب.
ضعف المهارات الاجتماعية: في المستقبل، سيجد الطفل المتعالي نفسه في مواقف تحتاج إلى قدر كبير من التعاون والمشاركة مع الآخرين. حيث سيكون لديه صعوبة في التفاهم مع الآخرين والقبول بهم في حال لم يكن قادرًا على تخفيض مستوى شعوره بالتفوق. هذا سيتسبب في فشل في بناء علاقات عميقة ومهنية في مرحلة البلوغ.
تأثيرات سلبية في العمل والمستقبل المهني:في بيئة العمل، يتطلب النجاح قدرة على التعاون مع الآخرين، وحل المشكلات المشتركة، والاعتراف بإنجازات الفرق. أما الشخص المتعالي، الذي يعتقد أنه دائمًا الأفضل، قد يجد نفسه معزولًا في مكان العمل، مما يحد من فرصه في التقدم والتطور المهني.
كيفية التعامل مع سلوك التعالي:
تعزيز التواضع في التربية: يجب على الآباء والمربين غرس قيمة التواضع في نفوس الأطفال منذ الصغر. يجب أن يُشجع الطفل على تقدير الآخرين والاعتراف بإنجازاتهم. يمكن توجيه الطفل للتركيز على كيفية مساعدة الآخرين والتعاون معهم بدلاً من محاولة التفوق عليهم.
تشجيع العمل الجماعي: مشاركة الطفل في الأنشطة الجماعية مثل الألعاب الرياضية أو المشاريع الجماعية تساهم في تنمية مهارات التعاون والاحترام المتبادل. يتيح ذلك للطفل تعلم أهمية العمل ضمن فريق، والاعتراف بمساهمات الآخرين.
توجيه الاهتمام إلى نقاط القوة لدى الطفل دون غرور:يجب تعليم الطفل كيفية الإعتراف بنقاط قوته والاعتزاز بها، لكن دون التفاخر. من المهم أن يشعر الطفل بالنجاح الشخصي، لكن يجب أيضًا أن يتم تشجيعه على التفوق الذاتي بعيدًا عن مقارنة نفسه بالآخرين.
القدوة الحسنة: يجب أن يكون الآباء والمعلمون قدوة حسنة في سلوكهم. إذا رأى الطفل الكبار يتعاملون بتواضع مع الآخرين ويقدّرونهم، فإنه سيتعلم منهم كيف يكون متواضعًا في حياته الخاصة.
في الختام سلوك التعالي لدى الطفل قد يكون له تأثيرات سلبية عميقة على حياته المستقبلية. من خلال توجيه الأطفال وتعليمهم قيمة التواضع واحترام الآخرين، يمكن للأهل والمربين أن يساهموا في تشكيل شخصية صحية ومتوازنة تؤهلهم للتفاعل بشكل إيجابي مع المجتمع والنجاح في حياتهم المستقبلية.
انتهى….