رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

بين فكي الكماشة... هل نخسر المواطن والقطاع الخاص؟ كتب أ.د. محمد الفرجات

بين فكي الكماشة... هل نخسر المواطن والقطاع الخاص؟  كتب أ.د. محمد الفرجات
جوهرة العرب 


 أ.د. محمد الفرجات 

في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية المعقدة التي يمر بها الأردن، يجد المواطنون وأصحاب المشاريع والشركات أنفسهم محاصرين من جميع الجهات، وكأنهم يقبعون بين فكي كماشة لا ترحم. لقد تواصل معي العديد من هؤلاء؛ من تجار وصناعيين وأصحاب محلات وابتكارات، وجميعهم يشكون من تراكم الالتزامات والضغوط التي تكاد تخنقهم، وسط جمود اقتصادي طويل بدأ منذ جائحة كورونا وازداد تأزماً بفعل التوترات في الإقليم، لا سيما ما بعد حرب غزة.

وإن استمرار هذا الوضع دون حلول عملية وفعالة يشكّل خطرًا جسيمًا على التماسك الاقتصادي والاجتماعي للدولة. إن غياب التدخل العاجل، وترك المواطن والقطاع الخاص يواجهان مصيرهما منفردين، قد يؤدي إلى سلسلة انهيارات تبدأ بتصفية الشركات والمشاريع، وتمر بموجات من البطالة والإفلاس، ولا تنتهي إلا بتآكل الثقة بالدولة ومؤسساتها. إن الدولة مطالَبة اليوم بأن لا تكون طرفًا ضاغطًا فقط، بل سندًا حقيقيًا يُوازن بين الجباية والاستدامة، وبين الاستحقاق المالي والعدالة الاقتصادية.

يعاني المواطنون وأصحاب المشاريع من تعدد الجهات التي تطالبهم بالدفع: ضريبة الدخل، فواتير المياه والكهرباء، ضرائب المسقفات للبلديات، دفعات الضمان الاجتماعي، أجور مكسورة لصالح الأمانة أو البلديات أو مفوضية العقبة، وأيضًا بدل التراخيص السنوية. وتتفاقم الأزمة مع الغرامات والفوائد المركبة التي تترتب على أي تأخير، مما يزيد من اختناقهم المالي. وفي حال العجز عن السداد، تبدأ الجهات الرسمية بالحجز على الممتلكات والحسابات البنكية، ويُلاحَق المتعثرون قضائيًا من قبل محامي تلك الجهات.

إن هذه الضغوط تحوّل التاجر أو صاحب المشروع إلى مدين متعثر، مهدد بفقدان مصدر رزقه وربما أملاكه. ومنهم من ينهار نفسيًا أو يقرر الهروب من البلاد، كما حدث مع إحدى الرياديات الأردنيات المبدعات، التي طوّرت منتجات ناجحة ومطلوبة في السوق، وحققت تقدّمًا حقيقيًا، لكنها اختنقت فجأة بجدار الرسوم والضرائب والتراخيص، فقررت إغلاق شركتها والهجرة.

ومما يزيد الطين بلّة، ارتفاع أسعار المحروقات والسلع، مما يرفع كلفة التشغيل ويقلل من القدرة الشرائية للناس، ويعقد الأمور أكثر.

إننا أمام معادلة خطيرة: إذا استمرت هذه الحلقة المفرغة، فنحن لا نخسر فقط شركات ومصانع ومحلات، بل نخسر المواطن نفسه، نخسر ثقته، ونخسر حلمه بالعيش الكريم والإنتاج.

الحل؟ لا بد من مقاربة جديدة، شجاعة وعادلة، تراعي الظرف الاستثنائي وتوازن بين مصلحة الدولة المالية وبين استمرارية القطاع الخاص وصمود المواطن. المطلوب اليوم:

1. تجميد الفوائد والغرامات لفترة انتقالية.

2. إعادة جدولة الديون والالتزامات وفق قدرة حقيقية على الدفع.

3. توحيد الجهات المطالِبة وتنسيق جداول الدفع.

4. إعفاءات ذكية أو تخفيضات على رسوم التراخيص والضرائب لبعض القطاعات الإنتاجية.

5. دعم مباشر للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والريادية.

6. توسيع مفهوم "التاجر الغارم" وتوفير مظلة حماية له، كما هو الحال مع الغارمات الأسريات.

إن الدولة القوية ليست فقط من تُحسن جمع الضرائب، بل من تُبقي دورة الحياة تدور، والمواطن منتجًا، والشركات قائمة، والابتكار مستمرًا.

فهل من خطة إنقاذ... قبل أن نفقد البقية الباقية من طاقاتنا الاقتصادية والبشرية؟