عندما قال المفكر الإنكليزي (أدموند بروك) أمام مجلس البرلمان البريطاني: " ثلاث سلطات تجتمع هنا تحت سقف البرلمان لكن هناك في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهم منكم جميعاَ " لأنه يعلم أن المعادلة لا تكتمل إلا بوجود رقيب لضمان سير عمل السلطات الثلاث كما هو مخطط له.
إن المشاهد لحالة الإعلام الوطني التي يغلفها الضباب حيثما تنقلت أدواتها، من خلال الخروج بتصريحات وتقارير مغايرة للواقع تماماً، وتحاول بذلك أن تقنعنا بأن القرد أجمل المخلوقات على الأرض، ولا يخلو الأمر من ثغرات بائنة وجلية للمشاهد والمستمع والقارئ على حد سواء، وبدل أن تعري ثوب التجاوزات والأخطاء، نراها تلبسها ثوباَ آخر مزركش ببذخ بكل الألوان الجاذبة التي تجعل من الواقع المزري لوحة جمالية تمتلك محاسن كثيرة.
مما لا شك فيه أن الدول تتقدم وتسير خططها النهضوية والتنموية بالتوازي مع السلطة الرابعة بدورها الرقابي الذي يوضح ويكشف الحقائق ويعرضها بشكل دقيق وواقعي، بهدف تصحيح المسار وتقييم سير تلك الخطط والبرامج بسلاسة لرأب العيوب من البداية وحتى النهاية، لا أن تكشف جزء وتخفي آخر، وتقفز من الخطوة الأولى إلى العاشرة وتضيع التفاصيل والحقائق خلال ذلك، وكلنا يعلم أن السلطة الرابعة بترسانتها القوية من الممكن أن تبرئ المذنب وتدين البريء، وتصنع الخبر وتغير مجرى الحدث برمته.
الحالة التي يعيشها الإعلام الوطني في هذه المرحلة الحساسة تحتاج للنهوض به وإعادة تفعيل دوره المتحيز للوطن وقضاياه، وتشكيل رأي يتناغم مع متطلبات المرحلة، وتوجيه الرأي العام نحو الحقائق وكواليس الواقع دونما تحيز أو مواربة، ونحتاج لكل قلم أن ينبري من أجل الوطن وكشف العيوب والترهلات أينما وجدت، لا أن ينبري لتحسين صورة هذا وذاك وتسويق بعض الشخصيات التي تحتاج لإعادة تلميع وإبراز صورتها على الساحة كلما انطفأ نجمها.
يطول الحديث عن دور السلطة الرابعة التي نأمل أن تكون أكثر انحيازاَ للوطن وشؤونه وقضاياه كما كانت في عهد ليس ببعيد، خاصة والأنظار تتجه إلى انتخابات نقابة الصحفيين التي يفصلنا عنها شهرين تقريباَ، ونأمل أن تفرز مجلس نقابي يعيد لها رونقها ودورها الأصلي الذي وجدت من أجله وأن يكون خالصاَ للوطن وعزته ورفعته.