"الكابوس" مجموعة قصصیة لسناء كامل أحمد شعلان صدرت سنة 2006 ،ویجدر التنویھ إلى أنھا مجموعة حائزة على جائزة الشارقة للإبداع العربي-الدورة التاسعة-2005 ،كما تعتبر المجموعة الإصدار الأول من نوعھ في مجال القصة القصیرة ضمن إصدارات دائرة الثقافة والإعلام لحكومة الشارقة التي بلغت (151.(
عنوان "الكابوس" یؤشر على مأزق وجودي، خاصة مع وجود شاھد یقدم للنصوص، یستبطن تمییزا بین إدراك أولا إدراك الكوابیس، بین عیش الحیاة أو كتابتھا، نقرأ في أول الكتاب: "نعیش كوابیسنا دون أن ندرك ذلك، وعندما ندخل
في مرحلة الإدراك نكتب عنھا... فھل تكون الكتابة خلاصا؟ أم إرھاصة المخاض؟" (ص05(
تكتب سناء شعلان قصصھا بنوع من القلق الإبداعي والمعرفي، وھما كما قال الناقد المغربي عبد العاطي الزیاني: "كلاھما شقاء ومعاناة ولعل الإبداع الأصیل علامة على ذلك الدرب الذي لا یسلكھ إلا من غاص في لظى المعیش أو
المتخیل"1 ولیست كوابیس سناء شعلان كلھا قلق ممض وھم منغص وشوك دام، ففي ثنایاھا أمل قادم وأحلام وردیة وبؤر ضوئیة. ففي قصة "عالم البلورات الزجاجیة" تھیمن تیمة الرحیل والموت، بل وتؤطر الحكایة وتغلفھا بملمح
كابوسي، وعلى الرغم من ذلك فھناك رؤیة جوانیة متفائلة تكشف أن "ھناك آلاف العوالم والعوالم، بعضھا نعیش فیھ والبعض الآخر یعیش فینا.." (ص20 (بمعنى أننا لا نعدم داخل الكوابیس/القصص أن نجد بذورا لأحلام وردیة، والعكس صحیح فللأحلام رؤوس فتنة ونھایات مؤسفة، وھو ما یظھر جلیا في عنوان "حادث مؤسف سعید جدا" فازدواج الدلالة لھ ما یبرره في ھذه القصة:
- الأسف یتجلى في الاستفھام الاستنكاري لبطل القصة: "وھل كانت نظرة فضولیة على جسد شقیقیتي الصغرى وھي تشطف سلم البیت، مشمرة عن قدیمھا حتى الأفخاد تستحق عین مصطفى الوحیدة ثمنا لھا؟" (ص43 .
الوجھ السعید للحدث الكابوسي یبرز في مباركة الناس لھذا الفعل، بل والافتخار ببطل القصة.
ولعل حالة الندم والإحساس بتبكیت الضمیر والاعتراف بالذنب التي دخلھا بطل القصة في اعتقادنا ھي الكابوس الحقیقي الذي یتطلب مصالحة تراجیدیة تنتصر للقیم النبیلة على حساب قیم البداوة والتعصب السائدة.
"الموت" ھو الكابوس اللذیذ الذي یمكن أن یفلسف البعض سطوتھ وجسانتھ على أنھا لذاذة وحلاوة. "الموت" ھو الكابوس الذي یجد فیھ البعض حلما غامضا أو جمیلا ألم یقل الشاعر إلیا أبو ماضي:
إن الحیاة قصیدة أعمارنا
أبیاتھا، والموت فیھا قافیة
كذلك تھیمن تیمة "الموت" على الكثیر من كوابیس قصص المجموعة، وكمثال
على ذلك نجد قصة "سھاد" المھداة إلىروحھا تقدم سردا شفیفا وحزینا ومؤثرا
یجعل الكابوس یرتسم في إیھاب من الوقار والطمأنینة والواقعیة الحتمیة.
وعلاوة على ما في الكوابیس من إثارة وتنویع فإن الكاتبة كثیرا ما تفضح قلقھا
الإبداعي، خاصة حین تستعرض مخاض قصة بعنوان "قصة طویلة" (ص99 (أو
حین تجرب الضمائر من جمیع الزایا في قصة "الكابوس" (ص07- (
الإبداعي في القلب الفني الجمیل للكوابیس الأكثر ترویعا. ففي قصة "المستأنس"
(ص79 (اعتماد على قصة الإنسان/الذئب بكامل رمزیتھا فإذا كانت القصة الأصل
تعتبر أن الناس في غایة الطیبوبة ما لم یصبحوا ذئابا، فإن قصة
"المستأنس" تبدأ ھكذا: " لم تعجبھ تلك القصة الخیالیة التي قرأ فیھا عن ذئب
طیب یتحول فیھا في كل لیلة اكتمال بدر إلى إنسان طیب، یحسن إلى كل الناس،
ویخفق قلبھ بالحب الطاھر" (ص79 (ھكذا سنتابع بشكل عكسي رحلة تحول
إنسان مستأسد (متوحش) إلى إنسان مستأنس(مسالم).
في مجموعة "الكابوس" الأحلام الوردیة نفسھا تتحول إلى كوابیس، ذلك ما
تحاول قصة "صانع الأحلام" تبیانھ، فبطل القصة الذي یصنع الأحلام سیغدو مدنا
بسبب بیعھ الوھم للناس والتغریر بھم في باحة النسیان، لا سیما بعد تظافر
موھبتھ مع حاجة الدولة القمعیة إلى إنتاج فائض من الأحلام لإلھاء الناس عن
حقوقھم وطموحاتھم. ألن یكون ذلك أبشع الكوابیس؟؟
إن قصص/كوابیس المجموعة تتمتع بخلفیات فنیة مثیرة للإھتمام، فھي
قصص/كوابیس تتناص مع حكایات أسطوریة وثراتیة وصوفیة بشكل یحتفظ
لقصص المجموعة بفرادتھا ورؤیتھا التي لا تجد حرجا في وضع القارئ أمام
م‘زق وجودیة تصدمھ مثل الكوابیس، فیرتعش قلبھ لعظم وحشیة الإنسان (المواطن الأخیر- ص173 (وتكاد العزلة والوحدة تفتك بھ ( صاحب الصوت الأجش-ص167 (أو تحل بھ لعنة تبكیت الضمیر (صداع قلب-ص143 -حادث مؤسف سعید جدا-ص41 .
وفي الأخیر فسواء كانت الكوابیس متعبة أو مستفزة أو مرعبة، فإنھا لحسن الحظ تأتي على صھوة القصة القصیرة، تلك "السنبلة التي تفیض استدارتھا القمریة في ذاكرة القارئ" 2
1 -عبد العاطي الزیاني- السرد والتأویل- ص76
2 -مجلة أفرودیت- مخاضات تجدید القصة القصیرة بالمغرب- ص65
* "الكابوس" سناء كامل أحمد شعلان- جائزة الشارقة للإبداع العربي- الإصدار
الأول- الدورة 2005-9 -دائرة الثقافة والإعلام-الطبعة الأولى-