رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

المقامة العبدونية .. من كلمات المغفور له الشاعر سليمان المشّيني

المقامة العبدونية .. من كلمات المغفور له الشاعر سليمان المشّيني
جوهرة العرب - سليمان المشّيني

دعاني صديقي مأمون لزيارته في عبدون، وذلك لقضاء بعض السويعات في حديث الذكريات، فمضيت في الموعد المضروب، ومعي أوصاف البيت المطلوب، ووصلت على ما يبدو من بيت الصديق وأمضيت لحظات متفرساً في الطريق..
فراعني وأنا من سكان عمان، من زمان ما أبصره من قصور مبالغ في عمرانها كأنها كان ياما كان، ومع أصحابها خاتم سليمان..!.
فهذا قصر يبدو كإحدى الكاتدرائيات، والثاني يشبه حاملة طائرات، والثالث كأنه الخورنق والسدير.. والرابع كعراق الأمير وآخر كطائرة مروحيهْ وسادس كراقصة لولبيهْ..!.
فسرح بي الخيال وطوّف بي الترحال إلى الأربعينات والخمسينات حيث كانت البيوت بسيطة، والحياة دونما تعقيد، والناس في سلام وعيش سعيد..
وعدت أبحث عن منزل مأمون، وأبعدت عن مخيلتي كل خاطر مأفون، فمالي ولمن لا يحمل همّ الوطن سأتركه لكي يعظه الزمن وكنت على ثقة ويقين بأنني لست بعيداً عن البيت من الأمتار خمسين.... فقلت في نفسي دعني أدق جرس هذا المنزل الأنيق الفريد... عسى صاحبه يدلني على المكان الذي أريد.. 
وما كاد الجرس يدق ثلاث دقات حتى خرجت ثلاث سوداوات صنو الليالي الحالكات فلم أشك بأنهن سيرلانكيات...
وقبل أن أسأل أي سؤال قلن برطانة ليس هنا رجال اذهب في الحال فمضيت وقرعت باب قصر قريب... وظننت صاحبه يتحلى بمزايا إنسان أريب، فإذا بثلاثة كلاب تتجه نحوي كالذئاب، ويبدو أن صاحبها يطعمها لوناً معيناً من اللحوم والكباب!! وخلفها أطل صاحب البيت الكبير وقال بصوت كالهدير كأنه صادر من خلف الدهور... 
نحن لا نعرف أحداً هنا، فاذهب يا فلان ولا تطل الوقوف بهذا المكان، ففكرت في الرجوع من حيث أتيت بعد أن تعذّر عليّ معرفة موقع البيت. 
وإذا بصديقي مأمون على مقربة مني ويبدو أنه كان يفتش عني وقال لي لا شك أنك تهت بين هذه القصور وصعب عليك الوصول والعبور...
فقلت له بدهشة وكيف تسكن بين هؤلاء الأنام، فأجابني سكنت هنا قبل ثلاثين عام !... وهذا هو بيتي البسيط البناء الذي يبدو هنا ككلف في وجه الحسناء..
فعدت أقول ألا يعرفونك وأنت أستاذ في الأدب؟ فقال ليس كل من هنا يهتم بما تقول.. فهناك من يهتم بالطرب، وثمة من يُعنى بالتجارة والربح والخسارة وآخرون في إقامة الحفلات أو تمضية الوقت في الرحلات... 
وبعد أن مكثت عند صاحبي ساعة ودعته والنفس ملتاعة وقلت لو فكَّر هؤلاء في جوهر البناء.. لما أُنفقت الملايين بهذه الطرق العشواء... وما جمدوا الأموال حديدا وأحجارا.. بل أغنوا الأردن أشجارا وأنهارا... وأقاموا المصانع التي تشغل آلاف العمال وأثروا الوطن بالازدهار والإقبال... ولكن لمن تقول هذه الأقوال؟
فليس هناك من يصغى إلى هذا الموال...