إذا أردنا أن نعرف ما يجري في إيطاليا علينا أن نعرف ما يجري في البرازيل، هذه المقولة تُفسِّر ما يجري في العالم اليوم؛ إنَّ التغيير الذي نشعر به، ونشتكي منه في الأردن هو نفسه الحاصل في كل العالم، والذي يُواجه بالدراسات العلمية، والتجارب العملية.
ولنوف ما يجري علينا أن ننتهج الأسلوب العلمي في البحث لفهم الظاهرة؛ أولًا علينا وصف المشكلة، وهي التغيير المُباغت الذي حصل، ويحصل في كل مناحي الحياة، ولنأخذ ما حصل لقطاع التعليم مثالاً، والذي أضاء لنا الضوء عمّا يجري من تغييرات كبيرة في العالم. لا ننكر أن التعليم عن بُعد أصابنا جميعًا بالذهول، وأحدث فوضى عارمة في هياكل التعليم كلها المادية والبشرية والفنية، ولم تقتصر المشكلة عليه فحسب، وإنما طالت كل القطاعات الأخرى وتأثرت به. ولكن هل نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الفوضى العارمة؟
ابتدأت مجتمعات ودول العالم بالتكيف مع هذه التغييرات، فأجرت دراساتٍ سريعة، وتدريبات لازمة، واتخذت جملة قرارات مُناسبة، وبقينا نحن خارج التغطية كالعادة. إذ لم يسارع المفكرون، والتربويون، وأساتذة الجامعات بدراسة وتقديم الحلول المناسبة لن يتمكن أحد من مساعدة أصحاب القرار، فقد تركنا الأمر لعويل المجتمع، وانتقادات قادة الرأي، وتقصير الإعلام. في هذه المرحلة المتغيرة يجب أن يسود الاعتقاد، والابتعاد عن الجزم، فلتخضع جميع المقترحات والحلول للتجربة، وللتقييم، وللاختيار الأنسب.
في تسعينات القرن الماضي كان هناك ما يسمى بمشروع تطوري نحو اقتصاد المعرفة (ERFKE) في وزارة التربية والتعليم، وتم إنفاق (500) مليون دينار عليه، وفي عام (2007) ابتدأ العمل بموجبه في المدارس الحكومية، وكان المشروع يركز على أداء وتطوير جوانب القيادة، والإدارة في التعليم، والتعلم، والطلبة، والمجتمع المحلي، والذي يهدف بالأساس إلى إيجاد رأس مال فكري، وإلى تشجيع الاستثمار في الأفكار الإبداعية، والمعرفية؛ لتحويلها إلى ممارسات فعلية على أرض الواقع من خلال جيل يحمل الوعي بالمعلومات، والمعارف المتخصصة. وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة عام (1958) كانت القوى العاملة التي تملك المعرفة المتخصصة تشكل ثلث القوى العاملة؛ لهذا تتمتع أمريكا بقوة اقتصادية كبيرة.
ومما نرى من معطيات لهذا التغيير الكبير أنه لا محالة حدوث تغييرًا في النظم الإدارية، وأهم تغيير هو انحسار البيروقراطية؛ إذ لن تعود الإدارة بيد قلة من الموظفين غير المنتخبين الذين يسيطرون على أداء الجميع بطريقة معقدَّة، والتحول إلى نظام تدويل المجتمعات، ولا أقصد أن نجعل المجتمعات دولية؛ وإنما تقوم مؤسساتها المدنية بأعمال الدولة وبإشرافها، حيث يبقى رأس المال كما هو المُتحكم في مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والأفراد لهم حرية إنشاء أعمالهم الخاصة في إطار قوانين السوق، في المقابل لهم إمكانية تقاسم السلطة السياسية، ولن تبقى حكرًا على مالكي رأس المال، وعليه يتوجب أن يكون للمواطنين وعيًا سياسيًا لهذا النظام.
لنتوقف عن الانتقادات، ولندعو الجميع كل من على منبره إلى إعلام الناس بما يجري من تغييرات، وإقناعهم بأنها تحتاج إلى التكييف مع التغيير، لا التكيف مع الواقع باعتباره نموذجًا ناجحًا، وإنما تكييف هذا الواقع مع الظروف والمعطيات والتحديات؛ للخروج من الفوضى.