أكد خبير سياسي وإعلامي أن "جماعة بوكوحرام" تحولت من جماعة إرهابية إلى تنظيم صاحب فكر وأيديولوجية خاصة به، رغم أن عدد عناصر الجماعة لا يتعدى الخمسة آلاف فرد، مشيراً إلى أن "بوكوحرام" تواصل الانتشار في دول الساحل الأفريقي لأنها تُدرّ أرباحاً على الكثير من الجهات الفاعلة إقليمياً ودولياً. كما أن مواجهة الجماعة أصبحت غطاءً لدول عديدة وذريعة للتدخل في شؤون الدول الأفريقية والتواجد فيها عسكرياً، مضيفاً أن بقاء الجماعة من عدمه مرهون بمحاربة الفقر والبطالة والتناحر والإقصاء والصراع الطائفي وخطاب التطرف.
جاء ذلك خلال محاضرة عن بُعد نظمها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، وحملت عنوان: "جماعة بوكوحرام والأمن في منطقة الساحل الأفريقي"، واستضاف خلالها الأستاذ البروفيسور الخضر عبدالباقي محمد أستاذ الإعلام والاتصال الدولي مدير المركز النيجيري للبحوث العربية في نيجيريا، وأدارت المحاضرة نورة الحبسي باحث أول ومدير إدارة النشر العلمي في "تريندز".
واقع القارة الأفريقية
واستهلت الحبسي المحاضرة قائلة أن وجود جماعة بوكوحرام شكل تحولات محورية وأساسية في واقع القارة الأفريقية التي تعاني منذ زمن بعيد من الصراعات والنزاعات المسلحة والجماعات المتطرفة والإرهابية، ما جعل هذه الجماعة ونظيراتها تستغل الأوضاع الأمنية المأزومة والأوضاع المعيشية الصعبة في الانتشار والتمدد.
وذكرت الحبسي أن هذا التهديد الذي تشكله جماعة بوكوحرام يحتم على الفاعلين الإقليميين والدوليين بحث السبل الكفيلة لاستقرار المنطقة والقارة الأفريقية والعمل على مواجهة "بوكوحرام" وتجفيف منابعها في الدول الأفريقية كافة، مبينة أن المحاضرة تعالج مجموعة من النقاط الرئيسية هي: "نشأة بوكوحرام ومرتكزاتها الفكرية، والعنف الديني في نيجيريا وعلاقته ببوكوحرام، وقدرة بوكوحرام على التماسك بعد مقتل زعيمها، والأبعاد الإقليمية والدولية لظاهرة بوكوحرام وتداعيات الانسحاب الفرنسي، ومستقبل الجماعة في ضوء المؤشرات الراهنة".
نشأة بوكوحرام
بدوره، قال البروفيسور الخضر عبدالباقي محمد إن "جماعة بوكوحرام " تعتبر من أكبر الجماعات المتطرفة التي عرفتها الساحة الأفريقية الغربية، باستثناء شرق أفريقيا في الصومال، حيث نشأت الجماعة عام 1995، تحت مسمى "منظمة الشباب المسلمين"، ونشطت في الوقت الذي كانت تشهد فيه المؤسسات التعليمية نشاطاً طلابياً كبيراً، بمختلف أطياف هؤلاء وتوجهاتهم وميولهم، ولكن نشاطها آنذاك كان كجماعة دعوية فقط.
وأوضح أنه في عام 2002 تم إعادة تنظيم الجماعة على يد محمد يوسف، لتحمل اسم "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد"، حيث أعاد تأسيسها بشكلها الأيديولوجي الحالي، واتخذت من مسجد ابن تيمية في مدينة مايدوغوري العاصمة الثقافية لولاية برنو في نيجيريا؛ مضيفاً أن الجماعة انتقلت عام 2004 للحديث عن العلاقة بين المسلمين والدولة، واتخذت موقعاً منزوياً عن المجتمع، وفي عام 2006 اشتعلت المناوشات بين الأمن النيجيري وعناصر جماعة بوكوحرام، وقتل آنذاك زعيمها محمد يوسف.
مرتكزات الجماعة
وأشار الخبير السياسي والإعلامي إلى أن المرتكزات التي قامت عليها جماعة بوكوحرام متعددة، ومنها: "تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة دولة إسلامية جديدة، ومحاربة التعليم الغربي بشكل عام بكل ما يمثله من ثقافة وعلم ومرجعية، وتحريم العمل داخل مؤسسات الدولة، وإقامة ثورة إسلامية على غرار الثورة الإسلامية الإيرانية"، مبيناً أن اسم "بوكوحرام" عبارة عن جزأين، الأول "بوكو" أي التعليم والثاني حرام من التحريم، ويدلل على تحريم التعليم الغربي، مضيفاً أن جماعة بوكوحرام اتخذت من الفساد المستشري في المجتمع النيجيري والالتزامات التي قطعها الساسة على أنفسهم في الحكم ولم يلتزموا بها، ذريعة للترويج لفكرها وانتشارها بين الشباب.
وبين أن منطقة شمال نيجيريا تشهد انتشار التعليم القرآني والعربي، حيث لاقى خطاب الجماعة القبول هناك، واستمالوا الكثيرين من الشباب، بزعم أنهم يريدون تمكين الشريعة الإسلامية ونشر العدالة الاجتماعية وتطبيق الرفاهية للشعب. كما أن مناهضة التعليم الغربي هي الأطروحة الأساسية التي استغلتها الجماعة لجذب الشباب في شمال نيجيريا، ولكن الجديد هو أن الجماعة وظفت هذه الأطروحة لخدمة أيديولوجيتها الخاصة وتعزيز تغلغلها، إلى جانب استغلالها للامتعاض الحاصل بين الجماهير المسلمة في شمال البلاد والأقلية المسيحية التي تسيطر على الحكم هناك، لافتاً إلى أن التسويق الذي ارتكزت عليه الجماعة هو مقاربة السياسيين، وأنها قادرة على أن تكون ظهيراً للسياسيين، ما دفع حكام ولايات نيجيرية لعقد صفقات مع قيادات الجماعة، وقد فاز قياديون من الجماعة بمناصب محلية عدة.
العنف الديني في نيجيريا
وأفاد الخضر عبدالباقي محمد بأن جماعة بوكوحرام لم تنتهج العنف في بداياتها، بل سعت إلى التفاوض والانتشار، ولكن الساسة لم يتقبلوا الخطابات والنقاشات الملتوية للجماعة، فانفجرت النزاعات المسلحة بين بوكوحرام والدولة النيجيرية. وبدأت المواجهة المفتوحة مع الحكومة المركزية.
ونوه بأن نيجيريا تمتلك سجلا طويلا من الخلافات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، ما سهل لبوكوحرام استغلال هذه الأزمة وتوظيفها لخدمة مشروعها وأيديولوجيتها، وهذا بسبب تراخي الدولة النيجيرية التي تخشي النزاعات الطائفية بين أتباع الأديان، مؤكداً أن الجماعة استغلت حالة الاحتقان في شمال نيجيريا للهيمنة على المنطقة وقيامها بمناوشات مع رجال الأمن. كما أن الخطاب الرسمي للمؤسسات الدينية الرسمية في الغالب ليس خطاباً فاعلاً بالدرجة المطلوبة، ما يجعل الخلافات الطائفية تندلع بين الحين والآخر، ويعطي الفرصة لبوكوحرام لاستغلال هذه الأزمات للانتشار والتوسع.
تماسك "بوكوحرام"
أما العوامل التي جعلت "بوكوحرام" تصمد أمام مواجهة الدولة النيجيرية، فأورد الخضر محمد منها "أن الجماعة تمكنت من تعزيز تماسكها ولملمت شملها بعد الانقسامات التي عصفت بها عام 2016"، ما جعلها تستعيد تماسكها سريعاً، إلى جانب استغلال التضاريس؛ فالمنطقة التي تنتشر فيها "بوكوحرام" بعيدة جداً عن الحضر والمدن، حيث تعيش في مناطق صحراوية وعرة يصعب معها على القوات الأمنية الوصول إليهم، إضافة إلى القدرة على استقطاب الشباب من شمال نيجيريا بخطاب ديني يخدم أيديولوجيتها، واستغلال أبناء الشوارع وتجنيدهم، والحصول على ظهير محلي حيث تمكنت الجماعة من تكوين أفرع وكتائب لها داخل المؤسسات المحلية، ما جعل خطابها مقبولا وله سحره الخاص بين العناصر المحلية حتى خمس سنوات مضت.
امتداد قبلي
وأوضح أن جماعة بوكوحرام وصلت إلى الدول المجاورة باستغلال الظهير المحلي، والاعتماد على الامتداد القبلي مع دول الجوار ما جعلها تزرع أفرعها في هذه الدول مثل النيجر وتشاد، فضلاً عن استغلالها التمدد الاجتماعي وسهولة نقل المجندين إلى دول الجوار عبر الحدود المفتوحة، ما أوجد علاقة وتداخل واتصال بين هذه الجماعة ونظيراتها المختلفة في كل من مالي والنيجر وتشاد، مشدداً على أن مواجهة "بوكوحرام" أصبح غطاءً وذريعة لدول عديدة للتدخل في الشؤون الأفريقية والتواجد عسكرياً.
مستقبل بوكوحرام
وحول مستقبل جماعة بوكوحرام في أفريقيا، أكد مدير المركز النيجيري للبحوث العربية أن "بوكوحرام" لم تكن لتستمر إلى الآن لولا وجود المسكوت عنه في ملفات الجماعة وملفات القوى الأمنية والقوى الإقليمية والدولية التي تستثمر وجود بوكوحرام في ترسيخ تواجدها في دول الساحل الأفريقي، موضحاً أن الجماعة تحولت من كيان إرهابي متطرف إلى تنظيم صاحب فكر وأيديولوجية خاصة، رغم أن عدد عناصرها لم يتجاوز الـ 5000 فرد، فبوكوحرام ستستمر لأنها تُدر أرباحاً على الكثير من الفاعلين الإقليميين والدوليين، إضافة إلى أن فكر "بوكوحرام" أصبح مكشوفاً، ولكن الأسباب التي أدت إلى ظهور بوكوحرام ما زالت قائمة خصوصاً الفقر والبطالة والتناحر والإقصاء والصراع الطائفي وخطاب التطرف، ما يحتم على الدول التكاتف وإحداث مراجعة حقيقية متزنة لمعالجة هذه الأسباب من جذورها، وتعزيز الوعي لصياغة خطاب معتدل يواكب العصر ولا يجافي الثواب الديني.
تنظيم القاعدة
وكشف الخضر عبدالباقي محمد أن ثمة تحالفاً بين تنظيم القاعدة وجماعة بوكوحرام، خصوصاً أن مبايعة الأخير للقاعدة اعتمد على الترويج الإعلامي لتشكيل ضغط نفسي على الدول الكبرى. كما أن ثمة تعاونا كبيرا بين بوكوحرام والقاعدة، وعلاقات ودعما معنويا من قبل تنظيم القاعدة خصوصاً في مرحلة بدايات الجماعة، مضيفاً أن تعامل الدولة النيجيرية مع الجماعة كان متباينا منذ عام 2010 حتى الآن في ظل تعاقب الرؤساء والساسة، وأن بعض الإدارات لم تمتلك الجدية في مكافحة "بوكوحرام"، ولكن إدارة الرئيس النيجيري محمد بخاري تمتلك الجدية والصدق والقوة في التعامل مع الجماعة، ولكنها ليست كافية لمجابهة عناصر بوكوحرام المتخفين.