قامت دراسة حديثة، أصدرها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، بتحليل الوضع الراهن في ليبيا في ظل عدم استقرار الدولة على المستوى المؤسساتي، وصراع أطراف عدة، محلية من حيث النشأة وأخرى خارجية من حيث التوجُّه والتبعية والأهداف، كما تكشف الأدوار المتبادلة والمتناقضة بين الجماعات الدينية في ليبيا رغبتهم في نهب ثرواتها، في ظل السياقين المحلي والدولي اللذين يلتقيان في الأهداف.
وأكدت الدراسة، التي تحمل عنوان: «ليبيا.. الجماعات الدينية ونهب الثروة»، وأعدها خالد عمر بن ققه الكاتب والصحفي والباحث الجزائري، أن تداخل الأجندات المحلية والوطنية نتج عنه صراع ونهب لثروات ليبيا، مبينة أن الصراع سيشتد لاحقاً حول المناطق النفطية، ولن يُنتظر أن تعود خيرات ليبيا على سكانها؛ لأن الجماعات الدينية ترى أنها الوحيدة صاحبة الحق في ذلك، معتمدة على ولاءات بعض عناصرها من سكان تلك المناطق، لكن على المدى الطويل لا يمكن لها تحقيق أهدافها لثلاثة أسباب رئيسية؛ أولها: رفض معظم الشعب الليبي لأي تقسيم منتظر، وثانيها: وجود جيش شعبي يقاتل لأجل الوحدة الجغرافية للوطن، وثالثها: الموقف الدولي الذي يرفض تقسيم ليبيا.
مقايضة الأمان
وأشارت الدراسة إلى أن المجتمع الليبي مؤهل إلى تغيُّر وضعه الطبقي، من ناحيتين: الأولى، تتعلق بالتلاشي التدريجي للطبقة الوسطى المحافِظة على التوازن ومنظومة القيم؛ نتيجة نهب الثروة من قوى مختلفة، تشكل في مجموعها طبقة رأسمالية غير منتجة، والثانية، مقايضة الأمان والسلم الاجتماعي مقابل الثروة الوطنية، وعند الضرورة مقابل الممتلكات الشخصية؛ ما يعني انتهاء المطالب الاجتماعية بتوزيع الثروة أو حتى الحديث عن العدالة الاجتماعية. وتتوقع الدراسة استمرار نهب الثروات الليبية من قبل الجماعات الدينية - السلمية والإرهابية - لكن هذه الجماعات والأجندات الداخلية والخارجية لن تفلح في إقناع الشعب الليبي بتقسيم البلاد، وإنما ستجعله يقبل مُكَرهاً الوضع الطبقي الجديد أملاً في الأمن والاستقرار، وانتظاراً لسلطة الدولة في المستقبل المنظور.
نهب مُنظَّم
وبينت الدراسة أن الجماعات الدينية وغيرها على المسرح الليبي، محلية كانت أو أجنبية، في نهبها المنظّم أو الفوضوي للثروة، تتقاتل فيما بينها، وتتربص بالدولة الوطنية. وهي تحاول، بقصد وزيف، جعْل سلطة تديّنها أوسع وأعلى من مجال سلطة القانون، وبذلك تطرفت بعيداً في غيّها، بإبعادها لسلطتي «الدين والدولة» معاً، ذلك لأن سلطة الدين مرجعيتها الضمير، وسلطة الدولة مرجعيتها القانون، وهي تريد أن تلغي من حياة الشعب الليبي حضور الضمير، وقيام الدولة.
وذكرت الدراسة أن عناصر الجماعات الدينية لم تكتف بنهب الثروة، بل عملت على شرعنتها، وتحكمت من خلالها في اقتصاد الدولة عبر خصخصة مدروسة، مدعومة بعلاقات دولية على نطاق واسع، ومثال ذلك تجربة عبدالحكيم بلحاج، وهو من المتطرفين الإسلامويين وأحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين تم تنصيبهم في السلطة بمدينة طرابلس، بدعم سياسي ومالي من دول عدة، ومن خلال موقعه استطاع نهب الثروة الوطنية الليبية، حيث أسس «حزب الوطن» وهو حزب إسلامي شارك في انتخابات يوليو 2012، وفي عام 2013، أسس "شركة طيران الأجنحة" الخاصة به، وبعد ذلك بعام، اجتاح تحالف من الميليشيات المتطرفة العاصمة ودمَّر المطار الرئيسي واحتلّ مبناه، ووصلت ثروة عبدالحكيم بلحاج إلى ملياري دولار.
الاستيلاء على النفط
وأوضحت الدراسة أن المشهد الليبي الراهن يُظهر الوجود الفعلي لبعض الدول من خلال المرتزقة التابعين لها، بهدف تحقيق المصالح عبر نهب الثروات الليبية، ولاسيما النفط، وفي ذلك مزاحمة لتنظيم "داعش"، الذي تراهن عليه في إرهابها، وخاصة بعد تراجع مداخيلها في العراق وسوريا، التي اعتمدت عليها عند تمددها باتجاه ليبيا؛ لذلك تعتمد في تمويلها على سرقة أموال البنك المركزي الليبي، والضرائب، والاستيلاء على أجور العمال والموظفين، ونهب الممتلكات الخاصة، والنهب على الطرقات، والسرقة، والهبات الجبرية، وأموال الزكاة، والاختطاف المتبوع بدفع الفدية، وتهريب البشر، ويحدثُ هذا كله في ظل حرب متواصلة للاستيلاء على النفط الليبي.