أكد باحثون وخبراء أن تمكين المرأة خطوة رئيسية لحل المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وعنصر أساسي في بناء السلام والدعوة للتسامح وقيادة التغيير من أجل مستقبل آمن مستدام، مشددين على أهمية تعزيز دور المرأة في منظمات المجتمع المدني؛ ما سينعكس إيجابيًا على توسيع نطاق مشاركة تلك المنظمات في صناعة القرار الوطني بإحدى ساقي الدولة المدنية الحديثة.
وأشار المشاركون في حوار «تريندز» السادس، الذي استضافه جناح المركز المشارك في معرض الشارقة الدولي للكتاب، وتناول بالتحليل «دور المرأة في بناء السلام»، إلى أن المرأة عامل فعال للتغيير، ودافع قوى للتحول الاجتماعي، من خلال «التعليم، والتمكين الاقتصادى، وتمكين النساء في الأزمات والصراعات»، مضيفين أن للمرأة دورًا فاعلًا في صنع السلام الأسري والاقتصادي والسياسي. كما أن دمج المرأة مجتمعيًا وفي عمليات السلام ضرورة استراتيجية؛ لأن إضافة مجموعة أكبر من وجهات النظر يمكن أن تحقق سلاماً أكثر استدامة.
فجوة بين النظرية والتطبيق
واستهلت الجلسة الحوارية، التي تأتي ضمن برنامج فعاليات المركز العلمية والثقافية في «الشارقة للكتاب»، روضة المرزوقي مديرة إدارة التسويق والمعارض والتوزيع، ملقية كلمة ترحيبية، قالت فيها: إن حوار «تريندز» السادس يناقش «دور المرأة في بناء السلام»، حيث قفز موضوع إصلاح قضايا المرأة في المجتمعات العربية إلى الواجهة، حتى أنه تقدم جميع الموضوعات. لكن هذه القفزة النوعية، وعلى الرغم من المكتسبات التي نالتها المرأة، فإنها لم تغير الواقع تمامًا، فالتقدم الاقتصادي والاجتماعي الحاصل في بعض البلاد العربية يكفي لتحتل المرأة فيه مكانة فعالة، لكن هناك فجوة بين النظرية والتطبيق.
وذكرت المرزوقي أن للمرأة أدوارًا كثيرة؛ منها صنع السلام، سواء كان سلامًا أسريًا باعتبارها المسؤولة عن خلق جو الوئام والسكينة بين أبناء الأسرة الواحدة، أو سلامًا اقتصاديًا عبر تحقيق التصالح بين النفقات المتصاعدة والموارد المحدودة، أو سلامًا سياسيًا بين الدول المتصارعة، أو حتى بين أبناء الوطن الواحد، مبينة أن إدماج المرأة في عمليات السلام ضرورة استراتيجية؛ لأن إضافة مجموعة أكبر من وجهات النظر يمكن أن تحقق سلامًا أكثر استدامة.
المرأة والدولة المدنية
بدورها، تحدثت الدكتورة رؤيا ثابت، الممثل الرسمي للبهائيين في دولة الإمارات العربية المتحدة، عن «دور المرأة من خلال الدولة المدنية»، هذه الدولة التي تنشد دائمًا تحقيق قيم المساواة والعدالة الاجتماعية بين جميع أبناء المجتمع، مؤكدة أن الحكومات والجهات المسؤولة تدرك الحاجة إلى مشاركة عموم الأفراد في حياة المجتمع. ومع ذلك، يُطرح العديد عن معنى الشمولية في حياة المجتمع، والتي يجب ألا تعني بالنسبة للمرأة مجرد الظهور أو المشاركة والحضور في نشاطات محددة، بل يجب أن تتضمن قدرتها على تشكيل الفكر والرأي والقرار في هذا المسعى.
وبينت أن مسيرة البحث عن الهدف، وتنمية المجتمع والمقدرة على المحبة والإبداع والمثابرة واتخاذ القرارات، لا تعرف هوية ولا جنسية، فما يجعل الكائن البشري إنسانًا هو حقيقة النبل والكرامة الفطرية المتأصلة فيه، والتي لا توصف لا بالذكورة ولا بالأنوثة؛ لأن تحقيق المساواة بين عضوي المجتمع البشريّ يتيح الاستفادة التّامة من خصائصهما المتكاملة، ويسرّع بالتّقدم في جميع المجالات، ويضاعف فرص بلوغ السعادة والرفاهية والتقدم لكافة أعضاء المجتمع.
وأضافت رؤيا ثابت أنه بالنقاش يمكننا تقديم أفكار ومبادئ أساسية تسهم في خلق بيئاتٍ تحفز تطوير قدرات جميع الأفراد، بحيث تشمل النساء والرجال معًا للمساهمة الفعالة في بناء مدنيةٍ مزدهرةٍ ماديًا وفكريًا وروحيًا. ولتحقيق هذا الهدف قد يرغب أفراد ومجتمعات ومؤسسات في التشاور والتفكير في بعض الأسئلة والتحديات التي تظهر أثناء سعينا لتطبيق هذه المبادئ على جوانب مختلفة من الحياة الفردية والجماعية.
المرأة وبناء السلام
أما الأستاذة نورة الحبسي، نائبة رئيس قطاع البحوث في مركز تريندز للبحوث والاستشارات، فتحدثت عن الدور الذي لعبته المرأة في تحقيق السلام العالمي من خلال محور «المرأة وبناء السلام في العالم»، مبينة أن تمكين المرأة خطوة رئيسية لحل المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومحور أساسي في بناء السلام والدعوة إلى التسامح وقيادة التغيير من أجل مستقبل آمن مستدام. ويعد دور المرأة في تحقيق السلام والأمن في العالم نتاجًا لأكثر من قرن من جهود النشطاء في مجال السلام الخاص بالمرأة على المستوى الدولي.
وذكرت أنه برغم تلك الجهود الدولية التي تم إنجازها من أجل حماية المرأة في زمن الحروب والنزاعات، إضافة إلى تعزيز دورها في مفاوضات السلام وتوقيع اتفاقياته، فمازالت هناك العديد من المشاكل التي تتعرض لها المرأة في العالم، ولكن دولة الإمارات أعدت خطة عمل تشاركية مع الأمم المتحدة بواسطة إدارة الشؤون السياسية ولجنة بناء السلام التابعة للأمم المتحدة، من خلال توقيع اتفاقية لدعم تنفيذ جدول أعمال المرأة والسلام والأمن، لتعزيز أصوات النساء والشباب وأصحاب الهمم في عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة.
التمكين الاقتصادي
وعددت الحبسي مجموعة من التحديات التي تواجه المرأة في مجال بناء السلام؛ ومنها: «تواضع مشاركة المرأة في عمليات التسوية، والانقسام بين النساء حول القضايا الرئيسية، واقتصار مشاركة النساء في مفاوضات قضايا محددة، والعوائق اللوجستية، والفساد السياسي، وضعف المجتمع المدني النسوي»، فيما استشرفت مستقبل دور المرأة في تحقيق السلام، قائلة: يجب ألا يقتصر دور المرأة على كونها متلقية سلبية للمساعدات التى تحقق لها الراحة والرخاء، بل يجب أن تكون عاملًا نشطًا وفعالًا للتغيير ودافعًا قويًا للتحول الاجتماعي، من خلال «التعليم، والتمكين الاقتصادى، وتمكين النساء في الأزمات والصراعات».
المرأة والمجتمع المدني
وحول العلاقة بين المرأة والمجتمع المدني، تطرق خالد فياض الباحث الرئيسي في مركز تريندز للبحوث والاستشارات، إلى آليات تفعيل دوره المرأة في منظمات المجتمع المدني، مؤكدًا أن دور المرأة داخل منظمات المجتمع المدني ينطلق من رؤية عامة وقناعة بأهمية هذا الدور وحيويته من أجل بناء الدولة المدنية الحديثة، فأهمية منظمات المجتمع المدني تأتي بما تحويه من فئات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية متعددة، وتعزيز دور المرأة في تلك المنظمات يعتبر طريقًا أمثل نحو توسيع مشاركة تلك المنظمات في صناعة القرار الوطني بإحدى ساقي الدولة المدنية الحديثة.
وأكد خالد فياض أن المجتمع المدني هو المسؤول بالدرجة الأولى عن إعادة الاعتبار إلى الدور الأصلي للمرأة، الذي ينطلق من العمل على التصدي للمنطق الذي يرتكز على المفهوم التقليدي للعمل العام، كما يقع على عاتق المجتمع المدني تحديد معنى المشاركة العامة للمرأة، وتوضيح الالتباسات المتعلقة بأساليب المشاركة من جهة، والتفرقة بين كثافة ونوعية المشاركة.
وأوضح أن العديد من الأبحاث أشارت إلى قدرة المرأة على تحقيق إنجازات حقيقية على الأرض بعملها في منظمات المجتمع المدني، من خلال تعريف العديد من النساء بحقوقهن السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وقد تمكنت المرأة بالفعل من تحسين شروط إدماجهن في المجتمع وتوسيع هامش الحرية المتاح لهن، كما تولت حلَّ العديد من النزاعات في المجتمعات المحلية التي تنتمي إليها.