-أزمات اليوم متداخلة ومتشعبة وتتطلب تعاونًا دوليًا وحوارًا مسؤولًا
-دور مهم وفاعل لمراكز البحوث في تقديم الرؤى لمواجهة الأزمات والتعامل معها بكفاءة
أبوظبي - 19 نوفمبر 2022
في إطار حضوره العالمي الفاعل، شارك مركز تريندز للبحوث والاستشارات في منتدى القرارات الاقتصادية في زمن الأزمات العالمية الذي عُقِد ضمن «حوار مارجلاMargalla Dialogue » بمعهد إسلام أباد لبحوث السّياسات (IPRI)، في الفترة من 15- 16 نوفمبر الجاري، بحضور نخبة من الخبراء والمسؤولين بمراكز الفكر والبحوث العالمية.
وأكد الدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي- لتريندز أن العالم أصبح يعيش على وقْع سلسلة من الأزمات المتعاقبة، التي لا تكاد تنتهي إحداها حتى تبدأ الأخرى في الظهور والانتشار سريعًا، لتفرض تحدياتٍ جديدةً على صانع القرار السياسي والاقتصادي، الذي يتعينُ عليه التعامل معها بكفاءة وفاعلية، سواءً لتقليل المخاطر التي قد تترتب عنها، أو لتعظيم الفرص التي تتيحُها أحيانًا.
وأوضح في كلمة له، بالجلسة الرئيسية للمنتدى، أن الأزمات الاقتصادية الحالية التي يشهدها العالم تختلف عن تلك التي شهدها في السابق، والتي كانت الحكومات قادرةً على التعامل معها، وامتصاص تبعاتها وفق آليات وأدوات نقدية ومالية معروفة، مبينًا أن الأزمات اليوم متداخلة ومتشعبة بصورة يصعب على أي اقتصاد - مهما كان قويًا - التعامل معها بمفرده أو تحمل تبعاتها.
وأشار الدكتور محمد العلي إلى جائحة "كوفيد-19" وما خلّفته من آثار وتداعياتٍ اقتصادية غير مسبوقة، لايزال العالم يعاني تبعاتها حتى اليوم، وصولًا إلى الأزمة الحالية التي أشعلتها الحرب في أوكرانيا، مرورًا بأزمات ارتفاع معدلات التضخم، ونقص الغذاء والطاقة، وتعطل سلاسل الإمداد والتوريد، وأزمات الديون في البلدان النامية، وتزايد الكوارث الطبيعية التي تسببت فيها ظاهرة الاحتباس الحراري. إذ بات الاقتصاد العالمي كأنه يواجه إحدى أسوأ المراحل التي مر بها في العصر الحديث، مؤكدًا أن كل ذلك يفرض مزيدًا من الضغوط والتعقيدات، أمام صانع القرار الاقتصادي، ويتطلب منه استخدام أدوات وسياسات مبتكرة قادرة على تفكيك هذه الأزمات، ورسم ملامح طريق واضحة لمواصلة مسيرة التنمية والتطوير في الدولة التي ينتمي إليها.
وأضاف أن التحدي الأساسي في عملية صناعة القرار الاقتصادي، لا يتمثل فقط في تعدد المتغيرات الواجب أخذُها في الحسبان، بل في التداخل المستمر بين هذه المتغيرات وتأثُر بعضها ببعض.
وحدد الرئيس التنفيذي لتريندز أربعة أمور يتعين على صنَّاع القرارات الاقتصادية، في مثل هذه الظروف، أخذها بعين الاعتبار. أولهـــــــــا: الاعتماد على رافد من البيانات الدقيقة المحدثة باستمرار، موضحًا أنه من دون هذا النوع من البيانات، لن تساهم القرارات المتخذة في علاج الأزمات الاقتصادية، بل قد تكون سببًا في المزيد منها. وثانيهــــــــا: أن يعتمد على منهجية منضبطة لحساب جدوى القرارات الاقتصادية. مما يحتم تطوير عدد من القرارات المرنة والبديلة. أما الثالث: فيتمثل في أن يدرك صانع القرار أن تكلفة أي قرار اقتصادي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بعنصر الوقت. ورابع هذه الأمور: وهو وأكثرها أهمية فيؤكد على أن جودة آليات تنفيذ القرار الاقتصادي وسلامته هي ضمانة أساسية لانتظار العوائد المرجوة من اتخاذه.
وأوضح الدكتور العلي أن الأزمات الراهنة في بيئة الاقتصاد ضاعفت التعقيدات، رغم أن تشابك العلاقة بين المتغيرات الاقتصادية ليس بالأمر الجديد على صانع القرار الاقتصادي، بل هي سمة أصيلة من سمات الاقتصاد.
وقال إن المستقبل العالمي مهدَّد بخطرين شديدَيْ التأثير في عملية صناعة القرارات الاقتصادية؛ أحدهما راجع إلى تسارُع استنزاف الموارد الاقتصادية الموهوبة للعالم في الطبيعة، والآخر نابع من التأثيرات الشديدة السلبية على البيئة، مشيرًا في هذا الصدد إلى ما يفعله الاحترار بالمناخ العالمي. مشددًا على أنه لا بديل عن تطوير آليات اتخاذ القرار الاقتصادي، وتفعيل المنهجيات العلمية المستخدمة في استشراف المستقبل من أجل توقُّع الأزمات، وتحديد سيناريوهاتها المحتملة، وأفضل البدائل والخيارات للتعامل معها.
وأوضح الدكتور محمد العلي أنه من هنا يأتي الدور المهم والفاعل الذي يمكن أن تلعبه مراكز البحوث والدراسات في استشراف المستقبل، ودعم صنّاع القرارات الاقتصادية بالرؤى والأفكار والبدائل والحلول التي تمكّنهم من الاستعداد لأزمات المستقبل والتعامل معها بكفاءة وفاعلية، مؤكدًا في الوقت نفسه على أنه لا بديل عن تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول والحكومات، حيث لم يعد ممكنًا لأي دولة أن تتصدى بمفردها للأزمات الاقتصادية والبيئية، مهما تكن قوتها، وهو ما يفرضُ تفعيل دور المنظمات الاقتصادية الدولية، وآليات حل المنازعات الاقتصادية، وتغليب لغة الحوار والتعاون على لغة الصراع والتنافس غير البريء.
من جانبه أكد سلطان الربيعي رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بتريندز، في مداخلة له، أهمية إدراك الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه مراكز البحث والدراسة في استشراف المستقبل ودعم صناع القرار الاقتصادي بالرؤى والأفكار والبحوث والحلول، مشددًا أيضًا على أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول والحكومات، مع الوتيرة المتسارعة للعولمة.
وقال إن الترابط الاقتصادي المتزايد بين الدول وتطور وسائل الاتصال، يشير بقوة إلى أنه لن يكون بمقدور أي دولة أن تتجنب عواقب الأزمة الاقتصادية التي تحدث في البلدان الأخرى. علاوة على ذلك، لا يمكن لأي بلد أن يتعامل بمفرده مع الأزمة الاقتصادية والبيئية، مهما كانت قوته. مما يؤكد الحاجة الماسة إلى تفعيل دور المنظمات الاقتصادية الدولية وآليات تسوية المنازعات الاقتصادية كحوار وتعاون، لتحل محل المواجهة والمنافسة غير العادلة.