رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

في البرنامج الثقافي لـ«الأيام» «5» مداخلات حول موقع الأزياء في مسرح اليوم

في البرنامج الثقافي لـ«الأيام» «5» مداخلات حول موقع الأزياء في مسرح اليوم
جوهرة العرب



الشارقة: 5 مارس
 
في إطار البرنامج الثقافي للدورة الثالثة والثلاثين من أيام الشارقة المسرحية، نظمت ندوة تحت عنوان «دلالات وجماليات الأزياء في المسرح اليوم»، نهار الثلاثاء (5 مارس)، قدمت خمس أطروحات مهمة عن منظومة الملابس المسرحيَّة، في جلسة أدارتها الباحثة البحرينيَّة زهراء منصور بمقر إقامة الضيوف.
 
في مستهلّ الندوة، ركّزت ابتسام الحمادي من الكويت، على أنّ الأزياء تعدّ عنصراً محورياً ورئيساً للعرض المسرحي، بحسبان ما تحمله من شكل ومضمون يخدم تكامليَّة العرض، وعملها على خلق حالة من الانصهار بين الشخصيَّة المكتوبة في النص وجسد الممثل.
وسجّلت الحمادي أنّ مهمّة مصمّم الأزياء تقوم على فهم المعطيات الفنيَّة والدراميَّة، التي تتجلى من خلال التعامل مع أبعاد الشخصيَّة لتقديم البيئة المتوافقة مع الزمان والمكان، مع مراعاة المدرسة الفنيَّة المعتمدة للعرض المسرحي، سواء أكان واقعياً أم رمزياً أم عبثياً وما إلى ذلك.
وفي حالة أزياء مسرحيَّة «ماكبث» لشكسبير، تصوّرت الحمادي نقل المصمّم الشخصيات التاريخيَّة باختلاف مستوياتها من البلاط الملكي وصولاً إلى الشعب، بحرفيَّة اختيار الألوان والخامات ضمن منظومة الحقبة الزمنيَّة.
لكنّها فتحت قوساً يخص الشخصيات التي تظهر بمعطيات تختلف عن العالم الواقعي، مثل «ساحرات ماكبث»، وعدت ذلك نقطة التحوّل في تصميم وتنفيذ الأزياء تبعاً لما تحمله من طبوع مختلفة، وتقديمها طابعاً طقسياً مشحوناً بالنبوءات، ما يفرض على مصمّم الأزياء أن يجد منفذاً لإثارة جدارته في تقديم الشخصيات.
وأوعزت الحمادي أنّ مصمّم الأزياء مدعو إلى أن يتغلغل بين الوصف وحالة المشهد في مخيلة الكاتب، فيلجأ المصمم إلى تصميم الزي من خلال الحوار المكتوب، مستدلّة بأنّ الجمل التي ترددها الساحرات تحمل دلالات تساعد على ابتكار الزي، ونادت الحمادي بضرورة حضور مصمم الأزياء بروفات العمل، بحكم أنّ حركة جسد الممثل تساعد المصمم على ابتكار هيئة وجماليَّة التصميم.
وفي اقترابها من تجربة «سويني تود» (الحلاق الشيطاني) المعروضة أخيراً على مسارح برودواي، لاحظت الحمادي أنّ المصمّم إميليو سوسا مارس تطويراً في الأزياء بخامات ساعدت الراقصين على الأداء بحريَّة متناهية، من دون أن يكون الزي عامل إعاقة، وذاك أهمّ معايير نجاح مصمّم الأزياء، بحيث يكون الزي منصهراً جسدياً مع الممثل.
وذهبت الحمادي إلى أنّه من المهمّ أن يكون المصمم واعياً وملمّاً بعدة معايير، يتصدرها ذكاء التعامل مع التصميم والتوظيف، وبحيث يكون ذلك لخدمة الشخصيَّة المسرحيَّة أولاً، ثمّ التعامل مع جماليَّة التنفيذ والإخراج النهائي.
وفي منظور الحمادي، لم تعد الأزياء ترمز إلى هويَّة الشخصيَّة المسرحيَّة فقط، بل تحولت إلى محرّك للأحداث، وعنصراً يملأ ويثير الفضاء المسرحي ويساهم في تجديد وتحول الشخصيَّة، ويكون حضور الأزياء أعمق في العرض القائم على استخدام الرمزيَّة والدلالات، وأصبح الزي المسرحي يحمل لغة وقراءة جديدة للنص من حيث الإقناع ومساعدة الممثل على الدخول في الحالة.
 
أدوار مبتكرة
شدّدت المصمّمة مروة عودة (مصر) على إمكانيَّة نهوض الأزياء المسرحيَّة بأدوار مبتكرة، وأبرزت أهميَّة مراعاة البعد التاريخي والمنحى الفني على نحو يضيف أجزاءً ويضفي زوايا مضيئة.
وأفادت عودة بأنّ الطباعة ثلاثيَّة الأبعاد وفّرت وقتاً وأتاحت خلق هياكل مغايرة لأزياء مختلفة، مع إمكانيَّة استخدام أجهزة الاستشعار والتفاعل في تصميم الأزياء لتنشيط الآثار البصريَّة، عندما يتحرك الممثل أو يجنح لتفعيل تأثيرات صوتيَّة عندما يتحدث.
وثمّنت المتحدثة أدوار البرمجيَّة والروبوتات، وأيّدت تطويع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لإضافة عناصر متحركة وتفاعليَّة، تشمل القطع المتحركة أو الأجنحة أو الأجزاء القابلة للتغيير في الملابس، محيلةً على التفكير خارج الصندوق، على منوال ما اشتغلت عليه إبّان أزمة كورونا، إذ وظّفت الكلمات المستخدمة عالمياً، في تصميم الأزياء والإضاءة، وحرصت على استخدام الخامة لإيصال الفكرة، مثل اعتمادها على معدن الحديد وعلامة الصدأ في تصميم الأحذية، وخلق توليفة للأحزمة وغيرها.
 
الدلالة والبُعد
لاحظت ريم شمالي (سوريا) أنّ فن تشكيل العرض المسرحي يقتضي معرفة بالصور والأحجام والأوزان والأشكال، مبرزةً أهميَّة تضمين الفضاء البصري معاني مضافة إلى النص، وذاك مرهون بالانتصار إلى الانسجام بين سائر العناصر.
وفي مقابل تأكيدها أنّ مفتاح نجاح العرض هو تناغم البنية والمكياج، نوّهت شمالي إلى انتقال تصميم الأزياء إلى طورٍ جرى فيه تحميل الشخصيَّة بعداً إضافياً، لتقديم خيالات جديدة للمخرج، وعدم حصر عوالم تشكيل الأزياء في تطبيقات الحقبة الكلاسيكيَّة.
وألّحت شمالي على أنّه لا ينبغي تجريد الزي المسرحي من الدلالة والبعد الذي يتطلبه، مع الحرص على ثالوث الخامة والظل والضوء، ممايزة بين المصمّم القادر على طرح فكرة في قالب جمالي، أما المنفذ فيكتفي بالتشكيل، وكلما كان التنسيق حقيقياً، كلما تحقّق الهدف المشترك.
وتابعت شمالي: «الدلالات المحمّلة للزي لا بدّ أن تعبّر عن فعل الممثل وعمقه، فالزي يمكنه أن يكون مفتاحاً للشخصيَّة، والعمل المسرحي أفضل صيغة تسمح للفنان بتجاوز ذاته»، كما رافعت لتفعيل روح التشاركيَّة طالما أنّها تشكّل أداة نوعيَّة لفهم ذات المبدع.
وحرصت شمالي على ربط الخطاب المسرحي بثلاثة حوامل: إخراجيَّة ودراماتورجيَّة وسينوغرافيَّة، منتهية إلى أنّه سيتسنى تطوير الأزياء أكثر من خلال تنويع الأدوات المستخدمة، والإبداع في أساليب التصميم ومختلف التوليفات.
 
تشكيل الشخصيات
أبرزت المصمّمة سناء الشدال من المغرب، أنّ المشهد المسرحي العربي عرف تحولات مهمة في السنوات الأخيرة، عبر دمج الأزياء بشكل فعّال في تشكيل الشخصيات، مسجّلةً أنّ الأزياء مدعوة إلى أن تعكس الأصالة الثقافيَّة والأبعاد التاريخيَّة التي تعبّر عن امتداد الشخصيَّة المسرحيَّة.
وبجانب ملاحظتها أنّ توظيف الأزياء في العروض المسرحيَّة المعاصرة أخذ أنماطاً منوّعة، كاستخدام الأقمشة والإكسسوارات، ذكرت صاحبة تجربة عقدين في مجال التصاميم، أنّ الأزياء أصبحت تلعب دوراً أكبر في إيصال الحمولات الدلاليَّة، وتعزيز المظهر الجمالي للعرض المسرحي.
وثمنت الشدال مشاركة مصمم الأزياء اليوم في عروض مسرحيَّة مبتكرة، بعدما صارت الأزياء جزءاً لا يتجزأ من استكشاف مختلف جوانب التجارب المسرحيَّة، بالتزامن مع تعزيز المشهد البصري في ظلّ التطور التكنولوجي المتسارع، ودمج الإضاءة في الأزياء، ما أتاح تحويلها إلى واجهات ديناميكيَّة تفاعليَّة.
وقدّرت الشدال أنّ خلق تجارب متعددة أسهم في طمس المسافات بين الأزياء والممثلين وسائر أدوات الديكور، وعدت علاقة مصمم الأزياء بالمخرج المسرحي نقطة فارقة ساهمت في إظهار أهميَّة الأزياء بعدما ظلت مقصورة لفترة طويلة على إلباس الممثلين، حيث صارت تثري الصورة الجماليَّة للعرض تبعاً للنهج التعاوني، وإنشاء سرد مرئي متناغم للعرض المسرحي، وهذا التغيّر ساعد في الارتقاء بالعمليَّة الإبداعيَّة.
وعادت الشدال إلى تجربتها في عرض «تكنزا» المغربي، حيث اشتغلت على الأرشيف وأعادت صياغة الملابس برؤى مسرحيَّة جديدة تخدم النص والإخراج، مع محافظتها على السمات التقليديَّة، بينما في مسرحيَّة «النمس» اشتغلت على خليط الأشكال التقليديَّة للألبسة المغربيَّة بتصورٍ معاصر، بما نقل المتلقي إلى أجواء الحلقة، مع استخدام «الكولاج» وفن الغرافيك، موقنةً أنّ تجريف الشكل والملابس يفتح آفاقاً جديدة في التعبير عن الشخصيات المختلفة.
وخلُصت الشدال إلى أنّ التطور الذي تعرفه صناعة الأزياء المغربيَّة يعكس ديناميكيَّة تشكيل القيمة للمسرح المعاصر، والتكامل بين مختلف العناصر وسائر مقومات العرض المسرحي.
 
تأثيرات وتعبيرات
تطرقت إيناس عزت من مصر، إلى تأثير الأزياء على الممثل، موضّحةً أنّه في المسرح يفرض الزي تعبيرات معينة على الشخصيَّة والجسد، وأقحمت تأثير الأزياء على الممثل سيكولوجياً، في إشارة إلى ما يلفّ عمليَّة التقمص، فإذا ارتدى ممثل زيّ طبيب يختلف عن أي زي ثانٍ، مؤكدة أنّ الأصل في الموضوع يبقى التصديق.
وقاربت عزت تأثير الأزياء على حركة الممثل، من حيث منحه قوة أكبر، واتكأت على استخدام التقنيات الحديثة في الأزياء من حيث الإضاءة والرسم والتعامل مع فترةٍ بعينها ودراما بنسق ما، مستنتجةً أنّ العلاقة التكامليَّة بين الأزياء والمكياج تكثّف المضمون، وتكفل تغييراً سريعاً على الخشبة.
وانتهت الندوة بفقرة تكريميَّة، شهدت تقديم أحمد بورحيمة مدير أيام الشارقة المسرحيَّة، شهادات تقديريَّة للمشاركات.