العجائبي والغرائبي في مدونة الرحلات العربية: رؤية علمية في ملتقى الشارقة الدولي للراوي

في إطار فعاليات ملتقى الشارقة الدولي للراوي الذي انطلق بعنوان "حكايات الرحالة”، انطلقت في معهد الشارقة للتراث جلسة علمية بعنوان "العجائبي والغرائبي في مدونة الرحلات العربية”، برئاسة الدكتورة نهلة إمام من مصر. وأكدت في كلمتها الافتتاحية أن الرحالة كانوا مدفوعين دائماً بالفضول والمغامرة والقدرة على التحمل، مشيرةً إلى أن كتاباتهم تميزت بانفتاحها على الآخر وقدرتها على التقاط الغرائبية، ما أسهم في رسم صورة العالم العربي لدى الغرب. كما شددت على أهمية تدوين المذكرات مقارنة بندرة هذا التقليد في الثقافة العربية، مؤكدة أن ما خلفه الرحالة العرب، وعلى رأسهم ابن بطوطة، يشكل وثائق مهمة لفهم تاريخنا وتراثنا.

من جانبها، تحدثت الأستاذة كلوديا ماريا تريسو من إيطاليا، مترجمة كتاب ابن بطوطة إلى اللغة الإيطالية، موضحة أن "الرحلة” تُعد من أبرز كنوز الأدب العربي في العصور الوسطى، ليس فقط لارتباطها بالأحداث التاريخية، بل لتقديمها تفاصيل دقيقة عن الحياة اليومية لمختلف الشعوب. وأشارت إلى أن ترجمة الكتاب إلى أكثر من 14 لغة، جعلته جزءاً من التراث الإنساني غير المادي العالمي. وأضافت أن ابن بطوطة، رغم عدم امتلاكه بالضرورة كفاءات أدبية رفيعة، كان راوياً بارعاً انعكس في وصفه الحي للملوك والبلدان، كما في زيارته لجزيرة سيلان، ما جعل السلطان يقدر رواياته.

قدمت الدكتورة نهلة تمام مداخلة أوضحت فيها أن الرحالة المسلمين نقلوا صوراً غنية عن عادات وتقاليد المجتمعات الإسلامية، من طقوس الحياة اليومية إلى أنماط التعامل الاجتماعي والاقتصادي، مشيرة إلى أن كتاباتهم جمعت بين التوثيق الواقعي والمرويات العجائبية، لتصبح سجلاً فريداً للحياة الإسلامية في العصور الوسطى.

وفي ورقته البحثية، تناول الدكتور عبدالحكيم خليل عادات وتقاليد المصريين من خلال رحلة ابن بطوطة، مؤكداً أن مصر كانت إحدى أبرز محطاته، حيث وصف المجتمع المصري بدقة لافتة، من دور المرأة والعلماء وأهل التصوف إلى الحياة الاقتصادية في أسواق القاهرة. كما أشار إلى وصف النيل، وطقوس رمضان والأعياد، والاحتفالات الشعبية والأضرحة، موضحاً كيف تمثل رحلة ابن بطوطة مرجعاً أساسياً لفهم المجتمع المصري في العصور الوسطى، وتكشف تداخلاً فريداً بين المعرفة والإيمان والوصف الدقيق والصفاء الروحي.

كما تناول أ.د يوسف دينغ لونغ مقارنة بين رحلات ابن بطوطة ورحلات الرحالة الصيني شيو شياك، مشيراً إلى أن رحلات ابن بطوطة لم تكن مجرد تنقل جغرافي، بل سجلات تحمل سمات مشتركة مع غيره من الرحالة، مع اختلافات في طبيعة الاهتمامات والأسلوب. وأوضح أن ابن بطوطة امتاز بسلوك أدبي رفيع، جعله أديباً بارزاً إلى جانب كونه رحالة، كما سجل أنظمة الحكم والصناعات اليدوية والأنشطة الاقتصادية في الصين، ليصبح مرجعاً هاماً في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

شارك أيضاً الدكتور أحمد علواني، أستاذ الأدب والبلاغة ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب – جامعة بني سويف، بمداخلة بعنوان "سردية الرحالة بين التوثيق الرسمي والتحليل العجائبي”، موضحاً أن رحلة ابن بطوطة نموذج للسردية التوثيقية، حيث حرص على تسجيل مشاهداته بدقة على طول مسار الرحلة، مما أكسبها مصداقية عالية وصفه المستشرقون بـ”الرحالة الأمين”. وأكد أن القيمة العلمية لرحلاته تكمن في التمايز بين السرد التوثيقي، الذي ينقل الحقائق كما هي، وسردية العجائب، التي تعتمد على المخيال، كما في حكايات السندباد أو "ألف ليلة وليلة”.

واختتمت الجلسة بتأكيد الدكتورة نهلة إمام على أهمية دراسة رحلات العرب في العصور الوسطى لفهم تنوع الثقافات والمجتمعات، وإبراز القيمة العلمية والأدبية لسرديات الرحالة مثل ابن بطوطة. وأشارت إلى أن ما قدمه المشاركون من أوراق بحثية ومداخلات أعاد التأكيد على قدرة الرحلات على الجمع بين التوثيق الواقعي والمخيال العجائبي، لتشكل سجلاً فريداً للهوية الثقافية العربية، وتجعل من التراث العربي مصدر إلهام للباحثين والمهتمين بالدراسات التاريخية والاجتماعية في العصر الحديث