مثلث كورونا / بقلم المحامي عاطف سليمان سالم أبوصعيليك # الملكية الفكرية – كورونا - التنمية
سعت دول العالم فيما مضى وخلال المئة عام الماضية إلى تعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية بتوقيع اتفاقيات ومعاهدات دولية جماعية علاوة على القوانين الوطنية تحفظ بها حق استغلال واستعمال الفكر والابداع بأنواعه الادبي والصناعي بحيث يكون حقا حصريا لمالكه تحت طائلة المسائلة القانونية لمن يتعدى على هذا الحق , لذلك تعتبر حقوق الملكية الفكرية الضلع الأول من أضلاع الوجود في العصر الحديث , ومن هذا المنطلق جيشت الدول الصناعية – والتي عرفتها اتفاقية ( TRIPS - اتفاقية تحمي الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية ) بانها دول العالم الأول – كل امكانياتها وسخرتها لجذب واحتكار هذه الابداعات الفكرية وعلى وجه الخصوص براءات الاختراعات باعتبارها أهم محاور الملكية الصناعية وبالتالي استغلالها وتطويرها وتصنيعها بكميات تجارية بشكل حصري لها ومن ثم تنطلق في المرحلة الثانية إلى السوق العالمية .
تعتبر أسواق العالم الثالث – كما صنفتها اتفاقية TRIPS – الأرض الخصبة التي تستهدفها الاقتصاديات المتطورة , ومع ذلك تتحكم الدول المصنّعة بأسعارها وكمياتها محققة طفرة اقتصادية وتجارية لقاء ما تلقته من الأرباح الخيالية كنتاج للمجهود الفكري والصناعي المبذول , مما جعلها تحقق تنمية تقود بها دفة الكوكب وتتحكم من خلالها به سياسيا علاوة على التحكم الاقتصادي .
وإذا ما قلنا فايروس كورونا فإنا نتحدث عن وباء اجتاح العالم " الأول والأخير " ولم تستطع مراكز البحث العلمي أن تتوصل إلى علاج له حتى الآن , ومن هنا يثور التساؤل فلو كُتب وأن توصل أحد العلماء أو إحدى المراكز البحثية إلى علاج ناجع لهذا المرض أو أي مرض شبيه فه لمن توصل إلى هذا العلاج أن يتمتع بالحماية القانونية لحق الاحتكار الحصري وفق التشريعات الوطنية والحماية الدولية وفقا للاتفاقيات ذات العلاقة وأهمها اتفاقية TRIPS بحيث لا يحق لأحد التعدي على هذا الاختراع - الدواء الناجع - فيستغله لشفاء الآلاف من المصابين في العالم بدون إذنه أو بدون مقابل ؟ فإن كان ذلك كذلك فستلجأ الدول إلى دفع المبالغ الباهظة التي يحددها المحتكر بإرادة منفردة لقاء استغلال هذا الابداع الفكري , فان لم تملك الثمن انهارت واندثرت .
في الحقيقة واستثناء لهذه القاعدة القانونية في الحماية تمكنت الدول وخصوصا الفقيرة – العالم الثالث – ومن خلال ضغوطات عديديه ومنها إعلان الدوحة أن تنتزع ولو نظريا فهما جديدا لمنطوق المادة 30 و 31 من اتفاقية TRIPS فتعطي الحق للإدارة العامة في الدولة حق الانتفاع ببراءة الاختراع الدوائية مثلا وتوفير كميات كافية من منتجاته بقيود أقل لتلبية حاجة المجتمع في حالات أهمها الظروف الطارئة والكوارث محققة المصلحة العامة المقدمة على المصلحة الفردية ضمن شروط ؛ منها عدم كفاية الانتاج الذي يوفره المالك الاصلي أو عدم قيامه باستغلاله أصلا علاوة على قيامه باحتكاره بأسعار لا يمكن أن تطيقها الدول المستفيدة من هذا الاستثناء , فأعطى الدولة حق التصنيع دون إذن مالك براءة الاختراع لتلبية حاجتها الوطنية الضرورية مقابل بدل مقبول للمالك الأصلي بعيدا عن الاستغلال التجاري , وعلى أقل تقدير من حق هذه الدولة أن تلجأ إلى فكرة الهندسة العكسية في تصنيع براءة الاختراع بعد تحليل مركباتها فتتوصل الى مكوناتها فتعيد تصنيعها دون أن تقدم أي مقابل للمالك المحتكر , ودون أن يكون لها أي قصد تجاري ربحي .
ومع تحديات السطوة السياسية والعسكرية والاقتصادية والتي منها بدأ الصراع بين دول العالم المتقدم المهيمن من جهة والدول النامية الفقيرة المحتاجة من جهة اخرى , تقاطعت حاجة الدول الفقير مع سلطة الدول القوية واستغلالها و جشعها ومن هنا تكمن خطورة كورونا , وهو الذي يشكل الضلع الثاني من مثلث الخطر على الصحة العامة للبشرية في هذه الأيام, كما يتقاطع كل ذلك مع التنمية وانتعاش اقتصاديات الدول وهذا يشكل الضلع الثالث من مثلث الخطر الموجه نحو وجود الكثير من الدول والنامية على وجه الخصوص ؛ فان اجتاح الوباء في بلاد وضاقت اليد عن مجابهته تعطلت الحياة وتوقفت عجلة الاقتصاد والتجارة احتضرت التنمية فيها , فالكوارث الطبيعية والحروب والأوبئة الجائحة هي من أعتى الأعداء لوجود الدول وتطورها بل تكاد الأكثر سببا في اندثارها , في حين يعتبر الاستثمار في الملكية الفكرية عموما و الصناعية على وجه الخصوص هو أساس التنمية للدول ونهضتها ونموها وسطوتها على جميع الاصعدة و تكون الصناعات الدوائية هي الفيصل في استمرار بقاء الشعوب الفقيرة على هذا الكوكب , لكون الاحتكار العالمي للدواء يعتبر سلاحا كافيا بديلا عن الحرب التقليدية , فيترتب عليه تحكم في تأمين العلاج للمحتاجين تحت قاعدة المال مقابل الدواء , وقد تقبل تلك القوى المتبجحة أن تقايض الدواء مقابل المواقف السياسية .
لذلك قد تكون الفكرة البسيطة سلاحا قويا إذا ما املكتها دولة فاحتضنتها بالحماية وحصّنتها بتشريعات متطورة حريصة, فتصبح ذات شوكة واقتصاد وتكنولوجيا وصناعة تحافظ بها على وجودها وتجابه به كل مقايضات أو مساومات, من هنا نشأت فكرة التنمية في العالم, حيث اجتمعت أضلاع المثلث ونشأت على أركانه قوى عالمية تتحكم بمصير الشعوب وتحرك أحجار السلطة على الأرض . كتبه المحامي عاطف سليمان سالم أبو صعيليك * هذا المقال ملكية فكرية حصرية للكاتب وتطبق الشروط والاحكام القانونية