التفتت إليّ سعاد وهمست: لقد مرّ الوقت بسرعة وحان وقت تحضير وجبة الغداء.
ضحكتُ لاهتمامها المفرط بمواعيد الطعام وكأنها مواعيد غرامية بالنسبة لها، فرددتُ بصوتٍ هادئ: هل تعرفين مطعم قريب نخرج لنتناول فيه الطعام؟!
ابتسمت سعاد وقالت: ولم قريب؟ ما رأيك بمطعم بعيد لا يعرفنا فيه أحد وغمزت لي بعينيها بألق أنثوي فاضح.
ضحكتُ هذه المرة بصوت عالٍ وصورة مغامراتها ومشاكساتها لا تغيب عن ذهني حتى أني شعرت بأنها فراشة ملونة بألوان مشعة براقة ترقص على شباكي.قفزت سعاد بسرعة البرق إلى الغرفة التي كانت غرفتي زمان وفتحت حقيبتي وهي توبخني لأني لم أرتب بعد أشيائي في مكانها...
في مكانها؟! وهل هذه الغرفة هي مكانها؟ هل عدتُ لأموت هنا؟!
لم أكن يوماً من أولئك الرومانسيين الذين يحلمون بالعودة إلى جذورهم والعودة إلى موطنهم لكي يموتون بسلام وطمأنينة، لقد عدتُ إلى هنا فقط لأني أفلستُ..
أفلستُ مادياً وإنسانياً، لم يعد لديّ أي شيء لأمنحه والوقت يمر ببطء شديد عليّ وكأنه مادة صلبة يصعب اختراقه ويصعب تمريره بسهولة ويسر...
لقد عدتُ لأكتب شيئاً ما تافهاً عني أو عنها أو عنا...فقط كي أستطيع كسر إرادة هذا الزمن الصلب، حتى وأنا ألفظ أنفاسي الأخيرة أشعر بأني أحارب وأقاتل رغم أني لا أعرف من أجل أي قضية ولكني أستمر بنهجي العبثي في خوض حروب فاشلة.
اختارت سعاد أحد فساتيني وحاولت إدخالها قسراً في جسدها الممتلئ وهي تقول: امرأة بائسة أنت...ماذا فعلت بهذا الجسد الرشيق؟ قضيتِ حياتك كلها تنامين مع الريجيمات ولم تعرفي لمرة واحدة متعة النوم مع رجل.
كيف قررت سعاد عني أنني لم أعرف المتعة؟ ولم أضاجع رجلاً؟ أحقاً أبدو باردة ومسطحة لهذه الدرجة؟!
نظرتُ في المرآة إلى وجهي ولوني وعينيّ ثم نظرتُ إلى جسدي الذي بدا لي فعلاً بائساً لدرجة لا يجذب إليه أحد...
أردتُ الصراخ، أنا امرأة ولا يعني عدم اكتراث أحدهم بما قدمته من حب أني فقدتُ إحساسي بنفسي وبامتلائي ...
لكن لمَ أصرخ؟ وأصرّح أمام أنثى عاشت كل مراحل أنوثتها واستثمرت عمرها في خيبات لم تنتقص من أنوثتها واكتمالها وبلوغها ذاتها، كانت سعاد امرأة ممتلئة ومتلألئة وبدا لي أنّه من الصعب جداً كسرها.
لبستُ تي شرت خفيف لونه رمادي فاتح وسروال جينز وصففتُ شعري بطريقة ما، ووضعتُ ربطة الشعر في حقيبتي بطريقة عفوية، فأمسكتني سعاد من يدي وقالت: ما هذا؟
- تقصدين ربطة الشعر!
- لا، بل أقصد ما هذا الذي يجري أمامي؟ كيف تخرجين لتناول غدائك بهذا المنظر الكارثي؟