ويُمكِن أن نُطلق عليه وصف فساد تحت مظلة قانونية أو فساد مُقنن.
يقول مؤسِس علم الإجتماع إبن خلدون رحمه الله في مُقدمته: " فساد القضاء يُفضي إلى نهاية الدولة".
في علم الإجتماع يُنَظْر للمُجتمع على اعتبار أنه جسداً واحداً مُترابط ومُتشابك في شبكة علاقاته بجميع صورها.....( النفسية على اعتبار أن النفس البشرية تُشّكِل جذر السلوك البشري ، والإجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية ، والأخلاقية) ، فإن فساد القضاء يعني فساد الحُكم وفساد السياسة ، وفساد الاقتصاد ، والاستثمار والتجارة ، وفساد التربية ومحاضنها ، وفساد المُربين وتفكُك الأسر ، فإن فساد القضاء منبع كُل شر وفساد؛ لأنه الجهة التي يُفترض فيها صون الحقوق وحماية الناس وحماية مُمتلكاتهم وأعراضهم، وإقامة ميزان العدل والحق ، وتَكْمُن خطورة الفساد في القضاء بعدم تطبيق العقوبات الرادعة من قبل أجهزة العدالة الجنائية والتي تتمثل في : ( المحاكم ، والسجون ، ومراكز الإصلاح والتأهيل ) ؛ وذلك للحد من الجرائم المُرتكبه سواءً جرائم اقتصادية ، أم جرائم قتل ....أو أي نوع من أنواع الجرائم المُستحدثة وغير المُستحدثة التي باتت مألوفةً لدينا.
إن النظام السياسي الفاسد دائماً ما يبحث عن القضاء الفاسد مثله ؛ ليُغذيه ويُغطي على فساده ويُبّرىء ساحته ، فأيُ عدلٍ ينتظره الناس عندما يكون الظالم هو نفسه القاضي والجلاد.....!
فالقاضي مهما كان حجم قوة الظالم مُلزم بأن يكون على مستوى متساوٍ بين المظلوم والظالم ، وعلى مسافة واحدة بين الضحية والجلاد ؛ حتى لا ينتفي العدل على الأحكام الصادرة عنه.
ولا نستطيع أن نغفل عن أن العديد من أنواع الفساد تحظى برعاية إجتماعية تُشّكِل لها رافداً إجتماعياً قوياً يُبرر ارتكاب الجريمة فيه .....كالانحراف الذي يَحْدُث تحت مُسمى الحُرية الشخصية ، وجرائم القتل التي تُرتكب بحُجة وذريعة الشرف ، وجرائم الاختلاس التي يتم تصنيف من يرتكبها بأنه إنسان ذكي ، وفهلوي ، وشاطر.......
لقد وصلنا إلى مرحلة التباهي بتلك الجرائم بل وتجاوز الأمر للتسابُق عليها والتنافس عليها فيما بيننا.
إن الأُسرة تُشّكِل الحاضنه الأولى وتُمّثِل حجر الأساس لتكوين الشخصية الفاسدة ، ويبدأ ذلك ببداية توتر العلاقة بين الأزواج وعدم تأسيسها وفق أسس سليمة وصحية نفسياً ، واجتماعياً ، وعاطفياً ، لا سيما إن أول خمسة سنوات من عُمر الطفل هي السنوات التي يتم من خلالها بلورة معالم شخصية الطفل ، وسوف تُبنى عليها حياته مُستقبلاً ، فخبرات الطفولة لها الدور الأساسي في تشكيل الشخصية ، فلا أحد ينسلخ عن ماضيه ويخرُج من جلده.
وتكتمل عملية تخريج أجيال فاسده ومُجتمع فاسد من خلال المؤسسة الإعلامية وما تُقدمه من مادة إعلامية تخلو من الرقابة والتي من شأنها أن تُعزِز الفساد وتُعزِز التنمُر المُجتمعي والعُنف بكافة صوره سواءً كان عُنف لفظي أم جسدي.
إن عملية مُكافحة الفساد تبدأ من الأسرة على اعتبار أنها خط الدفاع الأول وإجراء وقائي لمُكافحته قبل وقوعه لتقليل فُرص حدوثه مُستقبلاً ، وهي عملية تراكُمية تتم عبر سنوات وليست وليدة اللحظة، وهي عملية تشارُكية يشترك باتمامها أطراف عديدة تتمثل بالانساق الاجتماعية داخل المُجتمع نفسه تبدأ من الأسرة مروراً بالمؤسسات الدينية ( المساجد والكنائس ) ، والمؤسسات التعليمية ( المدارس والجامعات) وصولاً إلى مؤسسات المُجتمع المدني كافة ؛ لنستطيع مُكافحة فساداً مقنن بنصوص مواد قانونية وفساد مُقنن إجتماعياً.
ومن أجل مُكافحة الفساد لا بُد من أن يكون العاملون على مُكافحته لديهم درجة عالية من الشعور بالانتماء والوطنية للبُقعة الجغرافية التي يقطنون عليها وتبدأ عملية مُكافحته من أعلى شخص يتربع على رأس هرم السُلطة.....قال لي كوان يو الذي يشغل منصب رئيس وزراء سنغافورة :
"تنظيف الفساد مثل تنظيف الدرج يبدأ من الأعلى نزولاً للأسفل".
فثمة اغتناء شخصي وعائلي للحُكام وذويهم من خلال الأخذ من المال العام ومن خلال إمتيازات واعفاءات غير مشروعه
وختامُ قولي ..........
لمن تشتكي حبة القمح إذا كان القاضي دجاجة!!
واستمرار ضعف تمثيل أجهزة العدالة الجنائية( المحاكم ، والسجون ، ومراكز الإصلاح والتأهيل ) في تطبيق العقوبات الرادعة التي من شأنها أن تُساهِم في مُكافحة الجريمة وأولها جريمة الفساد يؤدي إلى استفحال الفساد بشكل مُضاعف.