رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

حديث مع روايات غادة السمان .. الإنسانة الأخيرة على وجه الأرض

حديث مع روايات غادة السمان .. الإنسانة الأخيرة على وجه الأرض
جوهرة العرب - ماجد عبدالله الخالدي 

منذ متى تعانق روحك كلماتي ؟! كان السؤال الذي يراود عقلي كلما تمنيت لو اني خلقت في زمان غادة .. لو اني رأيتها مرة فقط .. لقد اجزمت واقسمت أنها الوحيدة التي تفهم ما يجول بخاطري رغم اني لم التقي بها قط .. ولن التقيها .. اجبت : منذ أن سمعت اسمك لاول مرة بحياتي .. لم يمر كما تمر بقية الاسماء .. لقد علق بذاكرتي ومر على قلبي مثل مرور قوس "الكمنجة" على الاوتار .. فعزف اجمل سيمفونية قد تمر بالتاريخ . 

"هناك أشخاص عندما تلتقي بهم .. تشعر كأنك التقيت بنفسك" لقد قالت هذه العبارة ذات يوم وكتبت على دفاترها تلك الحروف .. وانا اليوم وجدت بها جواب لما كنت اتمنى .. فأنا التقيت بنفسي عندما قرأت كلمات غادة .. تلك التي لم تكن مجرد كاتبة .. بل كانت أعظم من هذا بكثير .. لقد وصلت إلى حيث لا يمكن للحروف وصفها .. انا متيقن أنها كانت الإنسانة الأخيرة على وجه الارض .. الإنسانة الأخيرة . 

قالت لي بينما كنت استحضرها لتواسيني : "تمر بك أيام تشعر فيها بان كل شيء يثقل على صدرك" قلت : مثل ماذا؟ قالت : "الذين يحبونك والذين يكرهونك والذين يعرفونك والذين لا يعرفونك" سألت متعجبا : وحال المشاعر ؟ فقالت : "تشعر بالحاجة إلى أن تكون وحيدا كغيمة .. أن تعيد النظر بأشياء كثيرة .. أن تعود إلى ذاتك مشتاقا لتنبشها وتواجهها بعد طول هجر" .. كأنها كانت تعطيني وصفة بجرعة ما من الدواء .. قلت : ولكني أشعر أن ذاتي على حافة الانهيار .. فأجابت : عليك "أن تفجر كل القنابل الموقوتة التي تسكنك" .

بينما كانت السماء تمطر .. رائحة احتراق الحطب المنبعثة من الموقد تحمل رسائل كثيرة .. كانت تدمع العيون ولم ادري حينها هل بكيت بسبب تبلل الحطب بالماء قبل أن اضعه في الموقد ام أبكتني تلك الرسائل ؟! حقا لم ادري .. ذهبت لاضيف المزيد من الحطب على جمرات الموقد .. وعدت إلى كتاب غادة اتابع الحديث مع كلماتها .. سألتها : غادة .. ماذا تقولين بالمطر ؟! أجابت : كنت "أحدّق في المطر وهو يلتهم النافذة، والليل يتدفق نهراً من الظلال .. أحدّق .. كما أفعل منذ ألف عام، وللمرة الأولى .. أرى الأشباح بوضوح تام وهي تتابع حياتها خارج الغرف الموصدة على الصدأ" .

كأنها عرفت سبب صمتي تعجبا من اجابتها .. فتابعت القول : كنت " أفتح النافذة، وأمد يدي إليها .. فتضمها - بأصابعها الدخانية - بحنان .. وأمضي معها إلى غابة المجهول .. نتسامر بحكايا ما وراء المألوف .. آه كيف قضيت عمري كالحمقى .. أخاف من الأشباح، وهم مفتاح الليل وكلمة السر؟" .. قلت لها : هل تأخذيني برهة لتلك الغابة ؟! قالت : حينما كنت أذهب .. كنت "عاشقة تحت المطر" .

ثم تقدم لي النصائح مستشهدة بخيبة آمالها واوجاع جراحها لتقول : "وكل ما كان .. كان وهم حب أخترعناه .. وهربنا إليه من جحيم الحرب .. ومنحناه من سطور العمر .. أحلى الصفات" .. سألتها عن الحنين .. فأجابت من رسائل الحنين الى الياسمين : "دنياه لا تجتذبني .. أحمل في يدي لافته كتبت عليها : لا أعرف أحداً .. ولا أنتظر مخلوقاً .. ولا أريد شيئا غير.. حريتي .. لا تسلني عن إسمي .. ربما كان لا أحد لا تسلني عن حبيبي .. ربما كان اسمه : النسيان .. لا تسلني عن أبي .. ربما كان اسمه : الغربه .. سلني عن أمي .. وحدها أعرفها جيدا .. واسمها الحرية" .

الحرية !! تلك هي الحلقة التي أبحث عنها .. بل الحياة .. بل الوجود غادتي .. فمن أوائل كلماتك التي عانقت روحي يتحدث عن الحرية .. قالت : عرفت الكلمات .. انت تقصد "من يركع فكريا ولو لمرة .. ينسى كيف يقف من جديد" .. قلت نعم .. وأخذت كفاي تمارس التصفيق دون توقف .. كما فعلت عندما سمعت تلك الكلمات لأول مرة وقد كنت طالبا في الصف السابع .. منذ ذلك الوقت بدأت روحي بمعانقة كلماتك .. وبدأت اتمنى العيش في زمانك .. ولكن في الدرس التالي قال لنا استاذ اللغة العربية : "التمني يرافق الاستحالة فقط" .

تنويه : كل ما يظهر من محادثات في النص هي محادثات افتراضية .